اليونيفيل «شاهد غير مرغوب فيه».. عواقب إنهاء مهمة القوة الأممية بلبنان

«تحرش» إسرائيلي بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل)، يعيد تسليط الضوء على دور القوة الأممية في تثبيت الهدوء الهش بين تل أبيب وبيروت.
فرغم أن مجلس الأمن الدولي جدد أواخر أغسطس/آب الماضي مهمة اليونيفيل حتى نهاية العام المقبل، في تمديد وُصف بأنه الأخير قبل انسحابها عام 2027، فإن تقليص عديدها يهدد بعواقب وخيمة على مجمل استقرار الشرق الأوسط.
وقبل أيام، أعلنت (اليونيفيل) أن مسيّرات إسرائيلية ألقت أربع قنابل قرب عناصرها في هجوم وصفته «من بين الأخطر» ضد قواتها منذ وقف إطلاق النار في نوفمبر/تشرين الثاني، مؤكدة أن الجيش الإسرائيلي كان على علم مسبق بخططها القيام بالأعمال الطرقية «قرب الخط الأزرق»، وهو بمثابة خط الحدود مع إسرائيل، جنوب شرق قرية مروحين.
وبينما تسعى إسرائيل لإنهاء مهام «اليونيفيل»، متهمة إياها بأنها فشلت في منع حزب الله من «السيطرة على المنطقة»، تحذر تقارير أمريكية من أن إخراج اليونيفيل من المعادلة يفتح الباب أمام عمليات إسرائيلية غير مقيدة في لبنان.
ويُعدّ هذا الإجراء بمثابة خطة احتياطية في حال فشل بيروت في نزع سلاح حزب الله. وكما هو الحال في سوريا، سعت تل أبيب إلى بيئة عملياتية تُمكّنها من فرض وقائع على الأرض أينما رأت وجود ما تعتبره تهديدات لها - وخاصةً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب موقع «ذا ناشيونال إنترست» الأمريكي.
عواقب إنهاء مهمة اليونيفيل
واعتبر الموقع الأمريكي، أن إنهاء عملية حفظ السلام يُعتبر قرارًا قصير النظر في نهاية المطاف، إذ يُسهم، على نحوٍ يخالف المنطق، في زعزعة الاستقرار مستقبلًا، ويُقوّض أي حل مستدام للنزاع الحدودي طويل الأمد بين إسرائيل ولبنان.
ورغم أن عملية حفظ السلام «ليست مثالية»، إلا أن ذلك لا يبرّر التخلي عن مهمتها، خاصةً اليوم؛ فمع احتلال إسرائيل المُجدّد لأراضٍ لبنانية ذات سيادة - إلى أجلٍ غير مُسمّى بحسب بعض القادة الإسرائيليين - تُصبح عملية حفظ السلام ضروريةً أكثر من أي وقتٍ مضى. وإلى جانب جهود بيروت لنزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد، لا تزال ولاية اليونيفيل ذات أهميةٍ اليوم كما كانت دائمًا.
وبغض النظر عن «عيوبها»، لا تزال اليونيفيل تؤدي دورًا أساسيًا في مراقبة الحدود الإسرائيلية اللبنانية وجنوب لبنان على نطاق أوسع. وتكتشف البعثة بالفعل مخابئ أسلحة لحزب الله وتدمرها.
بالنسبة للبنان، يُعزز هذا النهج دعمه لقوات اليونيفيل. فمع «افتقار» الجيش اللبناني إلى القدرة على السيطرة الكاملة على احتكار الأسلحة، يُمكن لليونيفيل، بل وتُمثل بالفعل، قوةً مضاعفةً للقوة.
وترى بيروت أنه من الحماقة المطالبة بحملة نزع سلاح مُعجّلة ضد أقوى قوة عسكرية في البلاد، في حين يتم تسريح عملية حفظ سلام مدعومة دوليًا، قادرة على دعم الجيش اللبناني، بل وتُمثله بالفعل.
لكن بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن الحل الآن هو إنهاء مهام اليونيفيل؛ فتل أبيب وواشنطن تنظران إليها كآلية منحت المسؤولين في بيروت ذريعةً لعدم المضي قدمًا في نزع سلاح حزب الله.
شاهد غير مرغوب
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن الهدف من إنهاء وجود قوات اليونيفيل، يكمن في سعي إسرائيل إلى حرية التصرف في لبنان، فقد غزت البلاد عدة مرات، لكنها فشلت في طرد الجماعات المسلحة غير الحكومية المعارضة لها، بدلًا من التحريض على إنشاء جماعات جديدة - بما في ذلك حزب الله تحديدًا.
في هذا الصدد، لم تُضف قوة حفظ السلام سوى تعقيدات على الأهداف العسكرية الإسرائيلية، وصوّرت تل أبيب على أنها منتهكة متواصلة لمبادئ القانون الدولي الأساسية، مثل سيادة الدول.
وأشار إلى أن هذا المنطق ينذر باندلاع صراع أهلي بين الدولة وحزب الله في حال فشل عملية نزع السلاح. وتواجه هذه العملية احتمالات فشل حقيقية، خاصةً إذا استمرت إسرائيل في احتلال الأراضي اللبنانية، إذ يُعزز ذلك فعليًا مبرر وجود حزب الله في «مقاومة» إسرائيل ككيان محتل.
وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإنه إذا كانت إسرائيل تعتقد أن نزع السلاح غير واقعي، أو أن وجود دولة لبنانية قوية يُشكل تهديدًا لمصالحها، فإن نهج إنهاء قوة اليونيفيل يندرج ضمن استراتيجيتها الأوسع لإضعاف جيران تل أبيب.
عقيدة أمنية
هذا النهج ينسجم مع عقيدتها الأمنية الجديدة ، التي تُبرز الأمن من خلال احتلال الأراضي المجاورة، مما يسمح لها بالعمل بسهولة نسبية لضرب الأعداء الحقيقيين أو المفترضين، وفرض مطالب مبالغ فيها على هؤلاء الجيران لتعارض مصالحهم، على عكس المصالح الإسرائيلية.
ويُمثل سحب قوات اليونيفيل قرارًا ساخرًا آخر وسط العديد من التحركات المماثلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول لـ«تغيير وجه الشرق الأوسط»، في استراتيجية اعتبرها الموقع الأمريكي محكوما عليها بالفشل؛ معللا ذلك بقوله: لا يمكن إعادة بناء المنطقة بالنار والكبريت.
وأكد أن النهج الذكي من شأنه أن يُركز القرارات التي تمنح بيروت الثقة اللازمة لنزع سلاح الجماعات المسلحة غير الحكومية، مع تقويض شعار المقاومة الذي يتبناه حزب الله، دون تقسيم البلاد إلى فصائلها الطائفية والسياسية المختلفة.
إلا أن واشنطن وتل أبيب ملتزمتان بنفس السياسات المتشددة التي فشلت في المنطقة لعقود، ويرجع ذلك في الغالب إلى المصلحة السياسية، في استراتيجية نادرًا ما تسفر عن نتائج إيجابية في السياسات، بل تؤدي على الأرجح لـ«نهايات كارثية»
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTI0IA== جزيرة ام اند امز