الأمم المتحدة.. 80 عاما في خدمة السلام والإنسانية

يحتفي العالم بيوم الأمم المتحدة في الـ24 من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تخليداً لذكرى دخول ميثاق المنظمة حيّز التنفيذ عام 1945.
وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، تاركة وراءها أكثر من 50 مليون قتيل ودماراً غير مسبوق، أدركت البشرية أن السلام الدائم لا يمكن أن يُبنى على فوهات البنادق، بل على التعاون والحوار وتكاتف الجهود من أجل أمنٍ عالمي مشترك وتنمية مستدامة تحفظ كرامة الإنسان.
ويصادف العام الجاري، الذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة، لكن الاحتفال بيوم الأمم المتحدة بدأ في 1948، ما يعني أن اليوم أيضا هو الاحتفال الـ٧٨ بهذا اليوم.
من العصبة إلى الأمم المتحدة
لم تولد فكرة الأمم المتحدة من فراغ، بل كانت ثمرة محاولات سابقة لصياغة نظام دولي يقوم على مبدأ التعاون الجماعي. ففي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، انعقدت مؤتمرات لاهاي (1899 و1907) بهدف تسوية النزاعات الدولية سلمياً وإنشاء محكمة دائمة للتحكيم.
وبعد الحرب العالمية الأولى، تأسست عصبة الأمم عام 1920 بموجب معاهدة فرساي كأول منظمة دولية تُعنى بحفظ السلام الجماعي، إلا أن ضعف أدواتها التنفيذية وانسحاب بعض القوى الكبرى منها أديا إلى فشلها في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
ومن رحم هذا الفشل، وُلدت الأمم المتحدة عام 1945 كمنظمة أكثر شمولاً وفاعلية، بهياكل مؤسسية جديدة مثل مجلس الأمن والجمعية العامة، بما يمنحها صلاحيات أوسع وقدرة أكبر على التدخل لحفظ السلم والأمن الدوليين.
وتُعدّ الأمم المتحدة اليوم أكبر منظمة دولية في التاريخ، تضم في عضويتها 193 دولة، وتشكل منبراً عالمياً للحوار بين الشعوب ومعالجة القضايا التي تمسّ مستقبل الكوكب.
ويرتكز ميثاقها على أربعة أهداف جوهرية: حفظ السلم والأمن الدوليين، وتنمية العلاقات الودية بين الدول، وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات المشتركة، وترسيخ احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
الخوذ الزرقاء
منذ تأسيسها، نفذت الأمم المتحدة أكثر من 70 عملية لحفظ السلام في مناطق نزاع تمتد من لبنان، والكونغو الديمقراطية إلى السودان وجنوب السودان، مروراً بمالي وقبرص.
وتتوزع مهام قوات حفظ السلام، المعروفة بـ"الخوذ الزرقاء"، بين مراقبة وقف إطلاق النار، وتأمين المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين، والإشراف على الانتخابات في الدول الخارجة من الحروب.
ورغم التحديات والمخاطر التي تواجهها، تبقى هذه القوات رمزاً حياً لإرادة المجتمع الدولي في حماية السلام، وتجسيداً لمبدأ "الأمن عبر التضامن".
ولا تقتصر مهام الأمم المتحدة على الأمن والسياسة، بل امتدت لتشمل جوانب إنسانية وتنموية عميقة.
فمن خلال برنامج الأغذية العالمي، تصل المساعدات إلى ملايين المتضررين من الحروب والكوارث. وتشرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين على حماية النازحين قسراً، بينما تتصدر منظمة الصحة العالمية الجهود الدولية لمكافحة الأوبئة، كما ظهر جلياً خلال جائحة "كوفيد-19".
وفي ميادين التنمية والبيئة، تواصل الأمم المتحدة قيادة الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي من خلال اتفاق باريس للمناخ، فضلاً عن دعمها لحقوق المرأة والطفل عبر هيئاتها المتخصصة مثل اليونيسف وهيئة الأمم المتحدة للمرأة.
تحديات الحاضر
ورغم الإنجازات التي حققتها المنظمة خلال العقود الماضية، لا تزال تواجه عقبات بنيوية تحدّ من فاعليتها.
يأتي في مقدمتها حق النقض (الفيتو) الذي تستخدمه الدول الـ5 الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مما يؤدي أحياناً إلى تعطيل قرارات مصيرية في أزمات كبرى.
كما تُنتقد الأمم المتحدة بسبب ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، ولا سيما في القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية.
ومع تصاعد النزاعات الداخلية، وظهور تهديدات جديدة كالأزمات المناخية والاقتصادية، تجد المنظمة نفسها أمام ضرورة تطوير أدواتها وآلياتها لتواكب تحوّلات القرن الحادي والعشرين.
وفي كلمته بمناسبة اليوم العالمي للأمم المتحدة، قال الأمين العام أنطونيو غوتيريش إن العالم يواجه "اختبارات غير مسبوقة تتطلب تضامناً عالمياً حقيقياً"، مؤكداً أن الأمم المتحدة ستظل "منصة الأمل التي توحد الإنسانية حول قيم السلام والعدالة والتعاون".
نحو مستقبل أكثر إنسانية
وبعد 78 عاماً من تأسيسها، تبقى الأمم المتحدة التجربة الأكثر طموحاً في تاريخ البشرية لبناء نظام عالمي أكثر عدلاً وسلاماً.
وعلى الرغم من ما يعتريها من قصور وتحديات، لا يزال العالم بحاجة إليها كمنارة للعقل والحوار، وكإطار جامع تتلاقى فيه إرادات الشعوب لصون السلم والدفاع عن الكرامة الإنسانية.
وفي يومها العالمي، يجدد العالم إيمانه برسالتها، مؤمناً بأن التعاون والتفاهم سيظلان أقوى من الحروب، وأن صوت الإنسانية سيبقى أبلغ من ضجيج السلاح.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuODYg جزيرة ام اند امز