أصحاب «الخوذ الزرقاء».. تحديات مُستجدة تتطلب دعما سياسيا لمجابهتها
تحديات مستجدة باتت تواجه قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة فرضتها التطورات التي تشهدها بيئة عملها، ما عزز الحاجة إلى مزيد من الدعم السياسي لحل الصراعات المسلحة بدلا من مجرد إدارتها.
ورغم معاناة أصحاب "الخوذ الزرقاء" من نقص الموارد فإن عملها لا يخلو من الانتقاد، علما بأن دراسات عدة أظهرت أن هذه البعثات هي واحدة من أكثر الأدوات فعالية التي يمتلكها مجلس الأمن لمنع اتساع الحرب، ووقف الفظائع المرتبطة بالنزاعات المسلحة، وزيادة احتمالات استمرار اتفاقيات السلام.
وتنشر الأمم المتحدة حاليا 11 بعثة لحفظ السلام في جميع أنحاء العالم لاحتواء العنف في ظل تصاعد الصراعات، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وتعمل بعثات الأمم المتحدة على وقف إطلاق النار في الجولان، وقبرص، وجمهورية أفريقيا الوسطى، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، ومع اشتعال الاشتباكات بين إسرائيل و «حزب الله»، عملت بعثة الأمم المتحدة في جنوب لبنان على تجنب التصعيد إلى ما هو أبعد من ذلك.
ويعد الحفاظ على وقف إطلاق النار وحماية المدنيين واحتواء العنف من بين أهداف بعثات حفظ السلام، التي تشمل أيضا التوسط في النزاعات المحلية وتعزيز المؤسسات المحلية، لكن يظل الهدف النهائي لتلك البعثات هو حل النزاعات من خلال مساعدة الأطراف المتصارعة على التوصل لاتفاق سلام دائم وتنفيذه.
لكن التطورات الأخيرة حول العالم صعبت من مهمة بعثات الأمم المتحدة، بسبب سعي الجماعات المسلحة لتصعيد الصراعات والحصول على الأسلحة الرخيصة ونشر خطابات الكراهية عبر الإنترنت والانخراط في جماعات الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود.
وعلى الرغم من أن بعثات حفظ السلام عليها أن تعمل للتكيف مع هذه التحديات الهائلة، فإنها لا تستطيع تحقيق تلك الغاية بمفردها، إذ يعتمد نجاحها في مهامها أيضا على الإرادة السياسية لأعضاء الأمم المتحدة، التي أصبحت منقسمة بشكل متزايد وتشتت انتباهها ومواردها بين أزمات متعددة.
وبسبب عدم حصول بعثات الخوذ الزرقاء على الدعم السياسي الكافي من الدول أعضاء الأمم المتحدة أصبح من الصعب عليها إنهاء الصراعات بشكل دائم ليقتصر عملها فقط على السيطرة على الأضرار ومنع الصراعات من الخروج عن السيطرة.
وحتى تتمكن بعثات حفظ السلام من حل الصراعات بدلا من إدارتها فقط، يجب أن يحدث تغييرين الأول أن تتكيف عمليات حفظ السلام بشكل أسرع مع التهديدات المتطورة التي تؤدي إلى تفاقم الصراع مثل الجريمة المنظمة عبر الحدود وتغير المناخ، والمعلومات المضللة، والمسيرات والذكاء الاصطناعي، والثاني الأكثر أهمية هو حصولها على دعم أقوى من أعضاء الأمم المتحدة.
وهناك أمثلة على نجاح مهمات بعثة الأمم المتحدة، ففي عامي 1992 و1993 سهلت بعثة الأمم المتحدة في كمبوديا إنهاء الحرب الأهلية المدمرة في البلاد وقامت بتنظيم انتخابات ناجحة.
وفي كوت ديفوار بين عامي 2004 و2017، وفي ليبيريا بين عامي 2003 و2018، دعمت بعثات حفظ السلام إنهاء الحرب الأهلية والعودة إلى النظام الدستوري.
وأسهمت 3 عوامل رئيسية في نجاح مهمة حفظ السلام في تلك البلدان، الأول كان القيادة القوية من قبل مجلس الأمن مما سمح بإنشاء مبادرات جديدة لحفظ السلام مثل برنامج المساعدة في مجال الحكم والإدارة الاقتصادية في ليبيريا لمعالجة جذور الصراع.
لكن خلال العشرين عاما الماضية كانت هناك فجوة بين قدرات بعثات السلام وما يتوقعه مجلس الأمن والدول المضيفة منها، فكثيراً ما أثبتت ميزانيات بعثات حفظ السلام عدم كفايتها لتحقيق المهام الموكلة إليها.
وتبلغ الميزانية التي وافقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذه البعثات حول العالم 5.59 مليار دولار، أي نحو 0.3% من الإنفاق العسكري العالمي.
ورغم هذه القيود واصلت قوات حفظ السلام تحقيق أهدافها الوسيطة المتمثلة في الحفاظ على وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، لكن الاقتصار على ذلك يعني أن البعثات تنسحب أحيانا قبل تحقيق السلام الدائم مما يزيد احتمالية عودة الصراع.
وتنص مبادئ حفظ السلام على أنه حتى مع حصول البعثة على تفويض من مجلس الأمن لحماية المدنيين فلا يجوز لها استخدام القوة إلا للدفاع عن النفس، ومع تضاؤل احتمالات التوصل لسلام دائم تميل السلطات المحلية والسكان لأن يصبحوا أقل قبولا لوجود قوات حفظ السلام وهو ما تستغله القوات المتصارعة.
وعلى خلفية التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والتحالفات العالمية والإقليمية المتغيرة، أصبحت بعثات حفظ السلام غير قادرة على الاعتماد على أعضاء الأمم المتحدة للعمل بطريقة موحدة لدعم جهودها.
وعلى الرغم من أن مجلس الأمن يواصل تمديد تفويض عمليات حفظ السلام حتى لو بإجماع أقل، فإن الغالبية العظمى من أعضاء الأمم المتحدة لا تشارك بما يكفي لدعم العمليات السياسية لحفظ السلام، وفي حالات أخرى كانت الدول تبعث برسائل متضاربة إلى أطراف الصراع.
ومع ذلك لا ينبغي النظر إلى تلك التحديات على أنها فشل لأداة حفظ السلام، وذلك في ضوء تساؤلات حول البديل الواقعي لتأمين السلام؟ وما ستؤول إليه المناطق التي مزقتها الصراعات إذا لم تكن عمليات حفظ السلام موجودة؟
ويجب على الدول أن تجدد التزامها بحفظ السلام جنبا إلى جنب مع توفير تفويضات وميزانيات أكثر واقعية وتركيزا وتوافقا مع أهداف هذه التفويضات، إضافة إلى ممارسة ضغوط دبلوماسية على أطراف الصراعات.
كما يجب أن تتغير عمليات حفظ السلام نفسها، ففي عام 2018 طرح السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مبادرة واسعة النطاق لتحسين بعثات حفظ السلام، تتضمن مراقبة أداء القوات ومساءلتها، وضمان سلامتها، ودمج مكوناتها المختلفة بشكل أفضل، وعدم التسامح مطلقا مع الاستغلال الجنسي، وتوسيع دور المرأة في حفظ السلام.
ويجب أيضا على عمليات حفظ السلام تطوير شراكات أقوى في الميدان، بالاشتراك مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية مثل البنك الدولي ووكالات الأمم المتحدة الأخرى وصناديقها وبرامجها، إضافة إلى العمل مع شركاء خارج حدود البلدان التي تعمل فيها.
وفي بعض الأحيان تكون هناك حاجة إلى ما يسمى بـ«عمليات إنفاذ أقوى» لا يمكن تنفيذها إلا من قبل شركاء خارج الأمم المتحدة مثل الاتحاد الأفريقي، لذا يجب دعم وتمويل هذه الشراكات لضمان امتثالها للقانون الإنساني الدولي.
ولكي تكون فعّالة في الأمد البعيد لا بد أن ترتكز بعثات حفظ السلام على حل سياسي شامل، وأن تسهم فيه، لكن هذا الأمر يظل في مرتبطا بالدعم المقدم لتلك البعثات.