على حافة الحرب القادمة؟!
القصة الرسمية للحرب الجديدة بدأت في 8 مايو/أيار 2018 عندما أعلن دونالد ترامب خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.
وكأن الشرق الأوسط انتهى من حروبه السابقة حتى يقف على عتبات حرب جديدة؛ فالحقيقة هي أن العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين كان في معظمه دمويا وعنيفا سواء أخذ شكل حروب أهلية متعددة الأنواع ومتداخلة الأطراف، وحروب ضد الإرهاب شملت كل أنحاء الإقليم، وطفت من عنفها على قارات العالم الأخرى، أو كانت حروبا تدخل مباشرة من القوى الدولية الكبرى وفي المقدمة منها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
هذه الحروب جميعها تقلصت سطوتها وحرارتها خلال السنوات الماضية، وبرزت الدولة الوطنية مرة أخرى، ضعيفة ورخوة نعم ولكنها عادت على الأقل على اعتبار أنه لا يوجد بديل حقيقي لها، والصراعات لم تعد معلقة في الهواء وإنما كانت توازيها عمليات دبلوماسية وسياسية تحاول إما حل هذه الصراعات أو وضعها على طريق الحل أو التخفيف من آثارها المدمرة. وربما كان أعظم ما جرى في الدول العربية أن عملية إصلاح عميقة بدأت في بلدان كان الظن أنها باتت من المستحيلات.
جرى ذلك في مصر والسعودية والكويت والبحرين وعمان والأردن والمغرب وتونس، وكان الإصلاح اقتصاديا واجتماعيا وتحديثيا، ومع ذلك بدأت أولى المحاولات الجادة والشجاعة لإصلاح الفكر الديني. في دولة الإمارات العربية المتحدة التي كانت سابقة في كل ذلك فإنها بدأت مشروعا جديدا للوصول إلى المريخ وبناء مستعمرة فيه.
لم تنته كل الحروب والصراعات بالطبع، فما زالت هناك جبهة إدلب المفتوحة في الشمال الغربي لسوريا، وما زالت الحرب في اليمن مستعرة، وفي ليبيا تقف القوات المسلحة الوطنية على أبواب العاصمة طرابلس التي تتمترس فيها المليشيات الإرهابية. وكأن المنطقة كانت على موعد مع القدر، فإن العقد الثاني من القرن الحالي لم ينتهِ إلا جرى استئناف لما سمي سابقا "الربيع العربي"، وهذه المرة في الجزائر والسودان.
وفي مواقع أخرى نشرت تحت عناوين "عودة الجغرافيا السياسية" و"عودة الجغرافيا الاقتصادية" رصدت بعضا من إرهاصات خروج الإقليم من الصراع إلى التعاون الذي تبَدَّى في عمليات تخطيط الحدود البحرية بين مصر والسعودية ومصر وقبرص، وما ترتب على ذلك من بداية منطقة للتعاون والرخاء والأمن المشترك في البحر الأحمر؛ وما حدث فعليا من إقامة "منتدى شرق البحر الأبيض المتوسط" الذي وإن كان يركز على التعاون في مجالات النفط والغاز وتصنيعهما، فإنه لا يغلق الباب أمام أشكال أخرى من التعاون في المستقبل. وباختصار كان النصف الثاني من العقد الثاني من القرن الواحد أقل قسوة من النصف الأول، ويقدم بشرى أن يكون العقد الثالث واهبا للتنمية والتعاون والسلام. ولكن يبدو أن هذه المؤشرات المتفائلة مهددة الآن بنشوب حرب جديدة مقدماتها بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن الشرق الأوسط لا يعرف الحروب ثنائية الأطراف، فسرعان ما تكون كل حرب متعددة الأطراف يتداخل فيها الإقليم والعالم.
القصة الرسمية للحرب الجديدة بدأت في ٨ مايو ٢٠١٨ عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعته الإدارة السابقة لباراك أوباما واعتبرته نصرا سياسيا ودبلوماسيا واستراتيجيا.
الاتفاق جرى مع إيران من قبل القوى الرئيسية في العالم، فكان ممثلا فيه الدول الخمس الأعضاء الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مضافا إليها ألمانيا، وشاهدا عليها الاتحاد الأوروبي. قام الاتفاق – الصفقة – على قدمين: الأولى تقليص قدرات إيران النووية بحيث لا يكون بمستطاعها إنتاج الأسلحة النووية؛ وثانيها رفع العقوبات الاقتصادية الموقعة على إيران والتي كان باديا أنها أصبحت تعيش أزمة اقتصادية عميقة، كان لها انعكاسات سياسية بطبيعة الحال. الرئيس ترامب الذي لم يكن راضيا عن كل ما قام به أوباما من قانون الرعاية الصحية إلى الاتفاق النووي مع إيران رأى في الاتفاق عيوبا لا يمكن غفرانها: أولا لأنه سمح لإيران بالاستمرار في إجراء التجارب الصاروخية التي تهدد جيرانها وفي المقدمة منها إسرائيل؛ وثانيها أن الاتفاق لم يقيد من سلوكيات إيران الثورية في الدول المجاورة حيث شجعت قوى سياسية وعسكرية (الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان وسوريا، والحوثيين في اليمن) من ناحية؛ وقدمت مساعدات لجماعات إرهابية. وأعقب انسحاب ترامب من الاتفاق مع إيران إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران مرة أخرى، وأعقبها بفرض العقوبات على الشركات والدول التي تستمر في التعاون مع إيران بالحرمان من دخول السوق الأمريكية، ثم أعقبها بالعمل على منع دول العالم من استيراد البترول الإيراني الذي يشكل ما يقرب من ٨٧% من الدخل الإيراني. وإذا كانت هذه العقوبات كلها تمثل العصا الاقتصادية الأمريكية، فإن الجزرة كانت فتح الباب للتفاوض حول الاتفاق النووي مرة أخرى.
الحالة على هذا الشكل "ترامبية" الطابع الذي يمزج ما بين التهديد والوعيد والعقاب في ناحية؛ ثم من ناحية أخرى الوعد بصفقة من نوع ما تقلل الآلام الواقعة على الطرف الآخر بينما تحصل الولايات المتحدة على كل ما تريده.
إيران على الجانب الآخر رغم ثقافة "البازار" الشائعة فيها حيث الصفقات والمساومة فإنها في علاقاتها الدولية لها وجه آخر. وبالنظر لحجم إيران وعدد سكانها وامتدادها الجغرافي على سواحل الخليج، والشعور التاريخي بنوع من المهمة والرسالة الإقليمية؛ فإن كل ذلك خلق ميولا عدوانية وإمبريالية أضافت لها "الثورة الإسلامية" الحماسة والعصبية ذات توجهات استراتيجية معادية لجيرانها جعلتها لا تكف عن بناء القدرات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية التي تستخدم في الحضور الخارجي. وضمن هذا الإطار فإن إيران بدأت في تطوير الأسلحة النووية لكي ترفع من مكانتها وهيبتها الدولية من ناحية، والتغطية على السلوك العدواني والمتزايد الخطورة في إطارها الإقليمي المباشر من ناحية أخري. وعندما اتخذ ترامب خطوته بالخروج من الاتفاق النووي فإن إيران تصورت أنه في إمكانها استغلال العلاقات المتوترة لترامب مع أوروبا والصين وروسيا لكي تعزل الولايات المتحدة؛ ولكن القوة الاقتصادية لهذه الأخيرة جعلتها قادرة على تضييق الخناق الاقتصادي علي إيران. وبينما يجري ذلك فإن الولايات المتحدة لم تكتفِ بخطواتها للحصار الاقتصادي لطهران، فإنها بدأت في حشد القوة العسكرية ممثلة في حاملة الطائرات "إبراهام لينكولن" ومعها مجموعة بحرية مقاتلة ودعم للقوات الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط وخاصة في العراق. وعندما وضح لإيران أن الدول الأوروبية لن تشكل فارقا لتخفيف الضغط عليها فإنها بدأت أولا بتحريك قواعد للصواريخ في اتجاه العراق، وتقديم دعم صاروخي لقوات الحشد الشعبي العراقية. وثانيا استخدام حركة الحوثيين في تخريب أربع ناقلات بترول قرب المياه الإقليمية لدولة الإمارات، واستخدام طائرات مسيرة (درونز) لضربات محطات لضخ البترول السعودي في السعودية. وكانت هذه أولى الطلقات في الحرب الموشكة، والتي جاء الرد عليها من قوات "التحالف العربي" بتوجيه غارات دقيقة على صنعاء ومواقع التخزين الحوثية للأسلحة والصواريخ.
لم تكن الضربات العسكرية بين إيران والولايات المتحدة، ولكنها كانت بين عملاء إيران ودول عربية؛ وأصبح السؤال الملح عما إذا كانت الحرب سوف تسفر عن وجهها الحقيقي بين واشنطن وطهران أم أن كليهما يجعل كل ما سبق أدوات للضغط من أجل التوصل إلى اتفاق جديد يراه كلاهما أفضل من استمرار التصعيد إلى حرب شاملة؟ في حديث قريب مع خبير أمريكي في الشرق الأوسط فإنه أكد على أن الحرب قادمة لا ريب فيها وكانت حجته هي أن الرئيس الأمريكي ومعاونيه الرئيسيين "بولتون" مستشار الأمن القومي، و"بومبيو" وزير الخارجية، و"شانهان" وزير الدفاع، مضافا لها جماعات الضغط الإسرائيلية، جميعهم من الصقور الذين يريدون قص أظافر إيران. إيران هي الأخرى شهدت تراجع تأثير ما يعرف بمعسكر الاعتدال الذي يضم رئيس الجمهورية روحاني ووزير خارجيته ظريف لصالح صقور المرشد العام "على خامنئي" الذي قال إن الحرب ليست قادمة، فإنه ذكر أيضا أن إيران لن تقبل عقد اتفاق جديد أو تدخل مفاوضات بشأنه. السيد "غانم المرزوقي" رئيس مجلس النواب الكويتي صرح بأن الموقف في المنطقة يقود تدريجيا إلى الحرب؛ ولم يقصر المسؤولون في السعودية وبقية دول الخليج العربية في اعتبار الهجمات التي تمت في ميناء الفجيرة ومضخات النفط السعودية ما هي إلا بتوجيه وتسليح من قبل إيران للعناصر الحوثية.
المنطقة مرة أخرى تقف على حافة الحرب، وكما هي العادة وعندما تكون الأمور عند الحافة تكثر الوساطات الدولية، وهكذا وصل فجأة رئيس الدولة السويسرية الذي في العادة لا يظهر أبدا إلى واشنطن؛ وذهب وزير الخارجية القطري في زيارة سرية إلي طهران، وأعلنت إسبانيا عن سحب فرقاطتها البحرية الملحقة بالأسطول الأمريكي حتى لا تكون متورطة إذا ما نشبت الحرب؛ وأعلنت العراق أنها قد أخبرت الدولتين إيران والولايات المتحدة أن العراق لن تكون ساحة للحرب بين البلدين، وأنها على استعداد للوساطة بينهما. ولا يستبعد أن تكون دول أوروبية أخرى دخلت على خط الوساطة، كما أن زيارة "بومبيو" وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة إلى موسكو من المؤكد أنها تعرضت للموضوع بشكل أو آخر. العجيب هو أن كل الحديث عن الوساطة لا يأتي فيه أبدا كيف سوف تكون "الصفقة" الجديدة، أم أن كل هذه الاتصالات بدأت بالبحث عن طرق لتخفيف التوتر ومنع نشوب الحرب عن طريق الصدفة أو حادث مفاجئ يسيء الطرف الآخر فهمه. كل الاحتمالات واردة، وعندما تكون منطقة على حافة الحرب؛ فإن السقوط في الهاوية لا يحتاج إلى أكثر من هبة ريح، أو تعثر عند الحافة. ترى كم من الحروب في التاريخ لم يكن يرغب فيها أحد، ولكنها حدثت على أية حال؟
aXA6IDMuMTQ0LjIzOS4yNDcg جزيرة ام اند امز