التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وضعت النظام الإيراني في مأزق
تعد الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من إرسال حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن"، وإعلانها عن وصول القاذفات من طراز B52 إلى القاعدة الأمريكية في قطر، تأتي في ظل حال التصعيد الأمريكي مع إيران ووسط التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، إنها رسالة أمريكية للنظام الإيراني تؤكد "أن الخيار العسكري الذي ظل على الطاولة الأمريكية لعقود طويلة في لغة التعامل الأمريكي مع إيران لم يعد مجرد تهديد أمريكي على الطاولة، بل أصبح قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع".
إن التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وضعت النظام الإيراني في مأزق، فأي خطوة للتنفيس عن الضغط الذي يعيش فيه ستكون بمثابة انتحار للنظام الإيراني، كما لم يعد أمام النظام الإيراني فرصة الاستمرارية في ترديد خطابات المكابرة والتهديد الموجهة للاستهلاك الداخلي
وبهذه الخطوات والتعزيزات العسكرية تكون الولايات المتحدة فعلت الأداة الثالثة من أدوات الضغط على إيران، فكانت الأداة الأولى عبر الضغط الاقتصادي بإعادة فرض العقوبات على إيران، من بينها حظر تصدير النفط الإيراني الذي يعتبر العمود الفقري للاقتصاد الإيراني ويشكل ما قيمته 85% من الدخل الإيراني، وأما الأداة الثانية فكانت الضغط السياسي الدولي عبر "مؤتمر وارسو" الذي يهدف إلى حشد الدعم والتأييد السياسي الدولي للخطوات الأمريكية للضغط على النظام الإيراني، لإحداث تغيير في السياسات والسلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة.
من المتعارف عليه أن النظام الإيراني يخشى المواجهة المباشرة، فمنذ عام 1988 عقب انتهاء الحرب العراقية/الإيرانية -التي كبدت النظام الإيراني خسائر اقتصادية بلغت 350 مليار دولار، بالإضافة إلى الخسائر البشرية- اتخذ النظام الإيراني قرارا بعدم الدخول في المواجهة المباشرة، وأصبح يعتمد على حروب الوكالة والسعي لإنشاء أذرع تابعة له في المنطقة كحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ولكن اليوم أصبحت قدرة النظام الإيراني على تحريك أذرعه التابعة له لمواجهة الضغوط التي يتعرض لها ضئيلة.
لقد جاءت هذه التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال" بعد أن أفادت معلومات حصلت عليها واشنطن بتخطيط إيران لاستهداف القوات الأمريكية في العراق وسوريا، وأضافت الصحيفة بأن المعلومات أفادت بتنسيق إيران عبر وكلائها لشن هجمات في مضيق باب المندب، ولذلك نجد أن التحرك الأمريكي الأخير تجاه إيران جاء ليؤكد عدم الفصل بين إيران وبين وكلائها في المنطقة، وهو بالتالي ما يقلل من فرص اللجوء الإيراني إلى تحريك وكلائها وأذرعها في المنطقة، وأن أي محاولة من قبل إيران لتحريك أذرعها ستنعكس سلباً عليها وستكون هي المتضررة والخاسر الأكبر.
إذا نظرنا للإيرانيين فإن النظام الإيراني سيتحاشى الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، بسبب عجز النظام بالخوض في مواجهة قوية كهذه في ظل الأزمات الاقتصادية المتصاعدة التي تعيشها إيران، وافتقار النظام الإيراني للتأييد الشعبي واندلاع حالة الغليان الداخلي نتيجة عدم الرضا تجاه الوضع المعيشي والسياسات الداخلية والخارجية للبلاد، ولذلك فإن الشارع الإيراني لم يعد يتقبل الشعارات التي يصيغها ويسوقها النظام الإيراني من شعارات "الامبريالية وغيرها"، والتي أصبحت شعارات مستهلكة لا قيمة لها ولن تنجح في ضمان الالتفاف الشعبي بجانب النظام.
كما أصبحت القدرة الإيرانية على الرد على الضغوط التي تتعرض لها مشلولة، فمن جهة هناك جدية أمريكية أكثر من أي وقت مضى في مواجهة انتهاكات النظام الإيراني، ومن جهة أخرى ليس من مصلحة الإيرانيين الذهاب إلى الأمام في التصعيد الذي ستكون تداعياته مكلفة على الإيرانيين، لأن أي خطوة إيرانية تترجم تهديداتها ومنها "إغلاق مضيق هرمز" ستكون بمثابة انتحار للنظام الإيراني، وستدفع الحلفاء المتبقين لإيران بالتخلي عنها وأبرزهم دول الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع بالنسبة للتحالف الإيراني مع الاتحاد الأوروبي، فمن المعروف أن هذه العلاقة بين الطرفين تربطها فقط دعامة واحدة وهي الاتفاق النووي، وهو ما يحاول الإيرانيون تهديد الأوروبيين بالانسحاب منه لتخفيف الضغط الأمريكي عنهم، وهذه خطوة بالطبع تعكس حالة الإفلاس لدى النظام الإيراني، الذي أدرك أنه لا يمتلك أي أوراق سوى التلويح بالانسحاب من الاتفاق النووي والذي سيكون هو الخاسر الأكبر، لا سيما إذا تمت إعادة الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي، ما يعني عودة العقوبات الدولية وليس فقط الأمريكية على إيران.
إن التعزيزات العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وضعت النظام الإيراني في مأزق، فأي خطوة للتنفيس عن الضغط الذي يعيش فيه ستكون بمثابة انتحار للنظام الإيراني، كما لم يعد أمام النظام الإيراني فرصة الاستمرارية في ترديد خطابات المكابرة والتهديد الموجهة للاستهلاك الداخلي؛ لأن مثل هكذا خطابات وشعارات ستفقد قيمتها مع الوقت أمام ضغط العقوبات الاقتصادية وتصاعد الغضب الشعبي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة