«فطام أوروبا».. خريطة ترامب نحو الاستقلال الاستراتيجي للقارة العجوز
يتوقع أن يؤدي فوز دونالد ترامب بولاية ثانية في إحداث تحول هائل في سياسة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة تجاه أوروبا.
وفي تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي طالعته «العين الإخبارية»، توقع ماكس بيرجمان هو مدير برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا، أن تعمد إدارة ترامب الجديدة إلى فطام الأوروبيين عن الاعتماد على الولايات المتحدة، بدلاً من السعي إلى الحفاظ على الدور البارز للولايات المتحدة في أوروبا.
وشدد على ضرورة ألا يكون هدف إدارة ترامب هو مجرد الانسحاب من أوروبا، بل يجب أن يتم ذلك أيضًا بطريقة تجعل أوروبا أكثر قوة، وهو ما يمكن تحقيقه ولا يتطلب جهدًا دبلوماسيًا مكلفًا أو مرهقًا. لكن الانسحاب المفاجئ الذي يترك أوروبا في حالة من الفوضى ليس في مصلحة أي شخص وسوف يدفع أوروبا حتماً إلى التحوط في التنافس بين الولايات المتحدة والصين.
التحول النموذجي
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة الضامن لأمن أوروبا. في البداية، تولت الولايات المتحدة هذا الدور على مضض حيث سعت إلى إعادة القوات الأمريكية إلى الولايات المتحدة وخفض ميزانيتها الدفاعية. لكن نشوب الحرب الباردة والمخاوف من القدرات العسكرية السوفيتية ونواياها تجاه أوروبا الغربية أجبرا الولايات المتحدة على الاستسلام وتشكيل حلف شمال الأطلسي في عام 1949. ولم تكن الولايات المتحدة تريد البقاء "في" أوروبا فحسب، بل سعت أيضًا إلى دعم جهود التكامل الأوروبي، بما في ذلك الدفاع.
بعد نهاية الحرب الباردة، اضطرت الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم حلف شمال الأطلسي والمشاركة الأمريكية المستقبلية في الأمن الأوروبي، وفي نهاية المطاف، قررت الولايات المتحدة أنها تريد البقاء "في" أوروبا. ومنذ تلك اللحظة، سعت الولايات المتحدة إلى الحفاظ على امتياز موقعها في أوروبا. لكن الوجود الأمريكي في أوروبا أدى إلى تقليص الحافز والضغوط على أوروبا للاستثمار بشكل كافٍ في قدراتها الدفاعية.
عودة ترامب
رغم استغلال ترامب خلال ولايته الأولى السياسة الخارجية التقليدية التي تبنت حلف شمال الأطلسي ودعمت التحالف عبر الأطلسي، فمن المرجح أن تتبع ولايته الثانية مسارًا مختلفًا تمامًا.
يتمتع الرئيس ترامب بآراء راسخة وقوية بشأن التحالف؛ وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، نشأت مناقشات سياسية حول كيفية الحد من التزام الولايات المتحدة الأمني تجاه أوروبا، مما يسمح بتجسيد رؤية ترامب لدور الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي.
يبدو مسؤولو الأمن القومي في إدارة ترامب أكثر ميلاً إلى متابعة الانسحاب الأمريكي المتعمد من حلف شمال الأطلسي. ولكن ماذا يعني هذا في الممارسة العملية؟ قد تسحب إدارة ترامب القوات والقدرات الأمريكية من أوروبا أو ترفض الالتزام بأصول رئيسية للتخطيط لحلف شمال الأطلسي. ولكن هل من الممكن أن يفشل ترامب في إقناع أوروبا بقبول خطة مماثلة؟ قد لا تعين سفيرا لحلف شمال الأطلسي أو قائدا أعلى جديدا لقوات الحلفاء. وقد لا يشارك ترامب في قمة العام المقبل في لاهاي.
يرى ترامب أن الانسحاب الصريح والمباشر من شأنه أن يصدم أوروبا ويدفعها إلى إعادة ترتيب أوراقها. وقد ينجح هذا. ولكن هذه الخطة قد تمنى بفشل ذريع، مما يؤدي إلى مزيد من تفتيت الأمن الأوروبي وخلق فراغ أمني ستتحمل إدارة ترامب اللوم على خلقه.
خريطة طريق لأوروبا
لا ينبغي لإدارة ترامب أن تعلن انسحابها دون استراتيجية تهدف إلى إعادة تنظيم الأمن الأوروبي. ولن يتطلب هذا الكثير من الجهد من جانب الإدارة، ولكنه سيتطلب درجة من القيادة الأمريكية لتوجيه أوروبا في الاتجاه الصحيح. فإعادة هيكلة الدفاع الأوروبي تضطلع به أوروبا وليس الولايات المتحدة ليس بالأمر السهل وسوف يستغرق وقتا طويلا.
أولا، ينبغي لإدارة ترامب أن تدعو الدول الأوروبية إلى إنشاء ركيزة أوروبية لحلف شمال الأطلسي. والضغط على القادة الأوروبيين للمتابعة وتطوير خطة واضحة لتشكيل مثل هذه الركيزة سيكون أمرا حيويا.
ثانيا، الجيوش الأوروبية ليست مهيأة للقتال معا بدون الولايات المتحدة. وبالتالي، تحتاج أوروبا إلى إنشاء وعاء مشترك للتمويل لمعالجة فجوات القدرات التي تسدها الولايات المتحدة حاليًا، مثل أنظمة الدفاع الصاروخي.
كما ينبغي أن يزيد الاتحاد الأوروبي من التمويل لمبادراته الدفاعية ويركز على دمج الجيوش الأوروبية في قوة قتالية قادرة على الدفاع عن أوروبا.
ثالثًا، ويجب على إدارة ترامب إدراك أن الاتحاد الأوروبي هو لاعب جيوسياسي مهم، بالتالي تشجيع أفكار طموحة مثل إنشاء الاتحاد الأوروبي لشركات أسلحة مشتركة أو المساعدة في تحفيز الدول الأوروبية على شراء نفس المعدات، مما يجعل من الأسهل القتال معا. ويتعين على إدارة ترامب أن تدعم هذه الجهود.
وفي غياب دعوة إدارة ترامب إلى اتخاذ إجراء أوروبي موحد، هناك خطر يتمثل في فشل الدول الأوروبية في التنظيم والتوحد، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات داخل أوروبا. ومن المرجح أن تلجأ الدول الأوروبية الفردية، وخاصة تلك الموجودة في أوروبا الشرقية الأكثر اهتماما بأمنها، إلى الرئيس "لعقد الصفقات" من أجل الحفاظ على مشاركة الولايات المتحدة. ويتعين على إدارة ترامب أن ترفض هذه الدعوات وتتجنب السعي إلى إبرام صفقات ثنائية مع الدول التي تقوض النهج الأوروبي الجماعي.
واختتم التقرير بالقول، "إذا كانت إدارة ترامب، إذا كانت عازمة على الانسحاب من حلف شمال الأطلسي، أن تسعى إلى تحقيق ذلك بطريقة منظمة ومدروسة، من خلال الضغط على أوروبا ولكن أيضًا منحها الوقت لتعزيز قدراتها الخاصة. ومن شأن الانتقال المنظم أن يساعد في الحفاظ على الدعم الأوروبي وضمان استقرار العلاقات عبر الأطلسي، وهو عامل أساسي في المنافسة الجيواقتصادية مع الصين. ومن خلال اتباع هذا النهج، يمكن لواشنطن تمكين أوروبا من أن تصبح ليس فقط أقوى ولكن أيضًا شريكًا أكثر قدرة وفعالية للولايات المتحدة".
aXA6IDMuMTM4LjMzLjEyMCA= جزيرة ام اند امز