المسكوت عنه في تصريحات السيسي.. هل تلغي مصر خانة الدين من الهوية؟
فتح حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن تجديد الخطاب الديني وتشكيل الوعي في المجتمع المصري الباب على مصراعيه أمام التنويريين إلى الدعوة لضرورة فتح الباب أمام إلغاء خانة الديانة من الهوية الشخصية.
ويرى مفكرون مصريون أن تصريحات الرئيس السيسي حول العقيدة، مقصود بها فتح كل المسائل الشائكة التي يعانيها المجتمع المصري، ولو لم يعلنها صراحة، وفي الصدارة منها استمرار وجود خانة الديانة في البطاقة الشخصية التي قد ينتج عنها ارتكاب جرائم تمييز مجرمة في الدستور المصري.
وتطرق الرئيس السيسي بشكل مباشر إلى مشكلات العقيدة في مصر، وقال في حديث تلفزيوني: "كلنا اتولدنا المسلم وغير مسلم بالبطاقة والوراثة، لكن هل حد يعرف إنه يجب أن نعيد صياغة فهمنا للمعتقد الذي نسير عليه؟".
وأضاف السيسي: "كنا صغيرين مش عارفين.. لما كبرنا.. هل فكرت ولا خايف تفكر في المعتقد الذي تسير عليه صح ولا غلط؟ هل فكرت السير في مسيرة البحث عن المسار حتى الوصول إلى الحقيقية؟".
ويعتقد كتاب ومفكرون مصريون أن حديث السيسي رسالة واضحة لكل الأطياف المهتمة بتطوير الوطن، لطرق الأبواب المغلقة حول المشكلات الشائكة حول المعتقدات في مصر.
رغبة مجتمعية
ويرى الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة المصري الأسبق، أن الرئيس السيسي يتحرك بشكل مباشر نحو تأصيل مبدأ المواطنة في مصر بشكل كبير يعكس رغبة الشارع المصري في ذلك، مؤكدا أنه "مع حالة الانفتاح الثقافي الأخيرة بات المجتمع المصري متقبلاً لكثير من الأشياء التي كان يعتقد سابقاً أنها محظورة".
وأكد عصفور لـ"العين الإخبارية" أن إلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية للمصريين، يعني بالتبعية إلغاء التمييز من أي جهة أو مكان عمل، سواء خاص أو عام، ويترتب عليه آثار إيجابية مباشرة على المواطن، وينهي أي احتقان محتمل قد يلجأ له أي متشدد أو صاحب هوى من أي طرف.
وتساءل عصفور عن الجدوى المجتمعية أو الدينية التي يحققها تواجد خانة الدين في البطاقة الشخصية، مؤكداً أنه من غير المعقول أن يقدم شخص ما على سؤال آخر عن ديانته أو يؤثر ذلك على العلاقات الإنسانية إلا من قبل المتشددين أو المتطرفين الذي يجب استئصالهم.
تمنع التمييز
في السياق نفسه، ترى الكاتبة الصحفية المصرية فاطمة ناعوت، أن المواطنة هي عقد بين المواطن والدولة، والدستور المصري يمنع التمييز على أساس ديني أو طائفي، واستمرار وجود هذه الخانة في البطاقة الشخصية يؤدي حتماً إلى تمييز قائم على أساس الدين، وهو الأمر الذي لا يرجوه أي مواطن مصري.
وشددت ناعوت، في حديثها لـ"العين الإخبارية"، على أنه من الناحية الأمنية لن يؤثر بأي حال من الأحوال وجود خانة الديانة، خاصة أن الأغلبية العظمى من دول العالم لا يوجد بها خانة للديانة في البطاقة الشخصية، وأن كل جوازات العمل في العالم محظور وضع بند الديانة فيها رغم أن جواز السفر هو ميثاق دولي ومعترف به داخلياً وخارجياً.
صدى دولي
أبرز المؤيدين للفكرة الرئيس السيسي كان الكاتب الصحفي خالد منتصر، الذي قال لـ"العين الإخبارية"، إن إلغاء خانة الديانة من البطاقة لا يعني إلغاء الديانة من المجتمع أو سلبها من المواطن، بل شطبها هو تأكيد على مدنية الدولة وانضمامها لطابور الحداثة والتحضر، معتبرا أن الرئيس ألقى حجراً في المياه الراكدة بحديثه عن تجديد الخطاب الديني رغم أنه لم يتعرض مباشرة للأمر.
ويرى "منتصر" أن الديانة هي علاقة مع رب العالمين، مشيراً إلى أنه لا يعرف سر تلك الهستيريا في الهجوم على كل من يقترب من تلك النقطة الشكلية التي لا تطالب ولم تطالب أبداً بإلغاء أو شطب الدين، خاصة وأن الدولة المدنية الحديثة لا تريد للمزايدات الدينية والمشاحنات الطائفية أن تخرج إلى الفضاء الاجتماعي العام.
وأكد أن تلك الخانة فتحت مجال لغط وجدل ومعارك وصلت إلى ساحات القضاء وكان لها صدى دوليا مزعجا، وأن هذه المعارك الموجعة الأخرى كثيرة وتفتح أبواب جهنم أمامنا وتجعل صورتنا حين تتفجر مثل تلك القضايا أمام العالم مثاراً للنقد.
وتبنى منتصر مقترحاً برلمانيا مفاده أن تلغى خانة الديانة في بطاقات الرقم القومي وكافة الوثائق والمستندات الرسمية، ولا يجوز إجبار أي مواطن على الإفصاح عن ديانته إلا إذا كان الإفصاح ضروريا لترتيب مركز قانوني كالميراث أو الزواج".
الفنانة المصرية هالة صدقي تتفق مع الأراء السابقة التي ترفض إدراج الديانة في البطاقة الشخصية، معتبره أنه لا يوجد لها أي تأثير واقعي في شيء، وعندما سألت عن أسباب استمرار وجودها كانت المبررات المساقة غير مبررة بالمرة وغير مفهومة.
واختتمت صدقي حديثها لـ"العين الإخبارية" بقول إن الدين علاقة بين المرء وربه، ومن الممكن أن يضمر الشخص بداخله ديانة غير الموجودة في البطاقة، معتبرة أنه لا جدوى لوجود هذا البند فعلياً.
في شهادتي الميلاد والوفاة
من الزاوية الدينية الخالصة، يقول الدكتور مظهر شاهين، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية"، إنه لا فائدة على الإطلاق من و ضع هذه الخانة، موضحا أنه سبق وأن دعا إلى إزالتها في أكثر من حديث، خاصة وأن الانتماء الأساسي في البطاقة هو للوطن، أما المعتقد فهو لله، وقد يلجأ بعض المتشددين هنا أو هناك وبالذات في الأماكن ذات السلطة إلى استغلال ذلك للتمييز المنبوذ بين الأفراد.
وأكد أن المصريين عاشوا آلاف السنين بدون وجود بطاقات هوية دون أي مشكلات اجتماعية أو أمنية، وكان هناك طوائف دينية عديدة دون مساس أو مشكلات، لافتاً إلى أنه يرى أن يوضع بند الديانة في شهادتي الميلاد والوفاة الأولى لاستخدامها في الزواج، والثانية لاستخدامها في الميراث.