الألمانية فون دير لاين.. طبيبة بمواجهة «جراح أوروبا»
أول امرأة تتولى منصب وزيرة دفاع في ألمانيا، وأول امرأة تترأس المفوضية الأوروبية، وليس لمرة واحدة، بل حسمتها لصالحها للمرة الثانية، إنها الاستثنائية فون دير لاين.
وانتخب البرلمان الأوروبي، الخميس، أورسولا فون دير لاين لمدة خمس سنوات أخرى كرئيسة للمفوضية الأوروبية، مصوتا للاستقرار والاستمرارية بأقوى مؤسسة في التكتل وسط أزمات واسعة تواجه القارة العجوز.
وحصلت فون دير لاين، التي تنتمي إلى حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط)، على 401 صوت في اقتراع سري، وهو ما يفوق بكثير الأصوات الـ361 التي كانت تحتاج إليها لإعادة انتخابها.
وعارض انتخابها 284 نائبا، وامتنع 15 عن التصويت، فضلا عن بطلان 7 أصوات.
وحظيت فون دير لاين بدعم المجموعات الثلاث الرئيسية المؤيدة للاتحاد الأوروبي، حزب الشعب الأوروبي (يمين الوسط) والاشتراكيين والليبراليين.
وينظر إليها كنموذج للمرأة الاستثنائية التي استطاعت أن تطبق مقاربة ناجحة تجمع بين العمل كطبيبة وربة منزل فسياسية مسؤولة وناجحة.
الميلاد والنشأة والتعليم:
ولدت فون دير لاين بالعاصمة البلجيكية بروكسل في 8 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1958، حيث تولى والدها إرنست ألبرشت، منصب رئيس ديوان مفوضية المجموعة الاقتصادية الأوروبية.
وفي عمر الـ13 انتقلت إلى هانوفر الألمانية في عام 1971 عندما دخل والدها السياسة ليصبح رئيس وزراء ولاية ساكسونيا السفلى 5 سنوات.
وفي أواخر سبعينيات القرن الماضي، عاشت في لندن، عندما كانت تدرس الاقتصاد باسم روز لادسون، وهو اسم أم جدتها الأمريكية من تشارلستون بكارولاينا الجنوبية.
درست الاقتصاد (1977-1980) في جامعتي غوتنغن ومونستر وكذلك في كلية لندن للاقتصاد، لكنها لم تكمل دراستها في في الاقتصاد لتتحول إلى دراسة الطب.
وفي عام 1987، امتهنت الطب بعدما تخرجت في كلية هانوفر الطبية، وتخصصت في صحة المرأة، وهي متزوجة بزميلها الطبيب هايكو فون دير لاين، وأم لـ7 أطفال.
واختبرت فون دير لاين معنى أن تكون ربة منزل حين عاشت لمدة 4 سنوات في ستانفورد بكاليفورنيا، في الوقت الذي كان فيه زوجها عضوا في هيئة التدريس بجامعة ستانفورد.
بعد عودتها إلى ألمانيا، عملت كعضو هيئة تدريس (1998-2002) في قسم علم الأوبئة والطب الاجتماعي وأبحاث النظم الصحية. بالإضافة إلى ذلك حصلت على درجة الماجستير عام 2001 في الصحة العامة.
الحياة السياسية
قررت دخول عالم السياسة في عمر 38 عاما، في خطوة بدت متأخرة نوعا ما، لكن نشأتها في بيت تولى فيه والدها الذي شغل منصب رئيس وزراء ولاية ساكسونيا، ومنصب المدير للمفوضية الأوروبية، إضافة إلى مناصب أخرى، جعلتها قريبة من هذا العالم، وإن لم تغص فيه من قبل.
شغلت سلسلة من المناصب المحلية والمحلية قبل انتخابها في عام 2004 كعضو في لجنة قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. وبعد فوز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الانتخابات الفيدرالية عام 2005، تم تعيينها وزيرة لشؤون الأسرة وكبار السن والنساء والشباب في أول حكومة للمستشارة أنجيلا ميركل، حيث سطع نجمها.
وكان من بين التدابير التي اتخذتها فون دير لاين لمعالجة انخفاض معدل المواليد في ألمانيا، كان تطبيق إجازة الأبوة مدفوعة الأجر من العمل بعد ولادة طفل والتوسع الهائل في مرافق رعاية الأطفال.
تلك الخطوة التي فتحت أمامها الطريق نحو انتخابها من قبل البرلمان «البوندستاغ»، وتتولى بعد ذلك منصب وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية الفيدرالية حتى العام 2013.
وفي 2013، عينت فون دير لاين وزيرة للدفاع، لتكون بذلك أول امرأة تتقلد المنصب ببلادها، وهذا ما منحها مكانة خاصة ببلادها.
سعت فون دير لاين إلى إصلاح الجيش الألماني (القوات المسلحة الفيدرالية) للتعامل مع عدد من التحديات. وفي مارس/ آذار 2014، ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، التي كانت جزءًا من أوكرانيا. وأثارت الأزمة مخاوف جديدة بشأن قدرات حلف شمال الأطلسي، وخاصة بعد أن كشفت المراجعة المستقلة لوزارة الدفاع الألمانية، والتي صدرت في أكتوبر/تشرين الأول 2014، عن عشرات "المشاكل والمخاطر" في عملية الشراء الخاصة بها.
وكانت الشكوك في قدرة ألمانيا على الوفاء بالتزاماتها العسكرية تجاه حلف شمال الأطلسي، بسبب الافتقار إلى المعدات الجاهزة للمعركة، سبباً في دفع بعض الحلفاء إلى الضغط على ألمانيا لحملها على زيادة إنفاقها العسكري.
اقترحت فون دير لاين توسيع جهود التجنيد لتشمل مواطني الاتحاد الأوروبي الأجانب الذين كانوا مقيمين لفترة طويلة في ألمانيا، لكن قادة الاتحاد الأوروبي الآخرين أعربوا عن مخاوفهم بشأن كيفية تأثير هذه الجهود على استعدادهم العسكري.
الطريق إلى المفوضية الأوروبية
في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، بعد الأداء الضعيف لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في الانتخابات الإقليمية، أعلنت ميركل أنها لن تسعى لولاية أخرى كزعيمة للحزب. ورفضت فون دير لاين القيام بحملة للحصول على هذا المنصب، الذي شغلته في النهاية ربيبة ميركل، أنغريت كرامب كارينباور.
كان مقررا أن تنتهي فترة ولاية رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، وأن يتم اختيار بديل له من قبل المجلس الأوروبي، لكن هذه العملية واجهت صعوبات بسبب نتائج الانتخابات في مايو/ أيار 2019، والتي شهدت خسارة الائتلاف الحاكم المنتمي إلى الوسط أغلبيته التي تمتع بها لفترة طويلة.
وعندما بدأت المفاوضات خلف أبواب مغلقة في يونيو/حزيران 2019، أشرف رئيس المجلس الأوروبي، أشرف دونالد تاسك على صفقة شاملة لشغل المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي برباعية من الأوروبيين الغربيين.
فتم ترشيح رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشيل لخلافة تاسك، وتم ترشيح وزير الخارجية الإسباني جوزيب بوريل لوراثة حقيبة السياسة الخارجية من فيديريكا موجيريني، وتم اختيار رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد خلفا لماريو دراغي على رأس البنك المركزي الأوروبي.
لكن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو ترشيح فون دير لاين لخلافة يونكر كرئيس للمفوضية الأوروبية. وعلى الرغم من أنها كانت ابنة مسؤول بارز في الاتحاد الأوروبي، إلا أن فون دير لاين نفسها كان يُنظر إليها على أنها دخيلة على مؤسسة بروكسل، وعلى الرغم من حصولها على تأييد الكتل البرلمانية الوسطية والليبرالية، إلا أن الشكوك ظلت قائمة حول احتمال فوزها بالمنصب.
وفي 16 يوليو/تموز 2019 انتخبت أورسولا فون رئيسة لمفوضية الاتحاد الأوروبي بـ383 صوتاً في التصويت الذي أجراه البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ.
رئاسة المفوضية الأوروبية
شملت أولويات فون دير لاين كرئيس للمفوضية الأوروبية معالجة المساواة بين الجنسين داخل الاتحاد الأوروبي ومعالجة أزمة المناخ من خلال برنامج أطلق عليه اسم الصفقة الخضراء الأوروبية. ولكن في غضون أشهر من توليها منصبه، اضطرت إدارة فون دير لاين إلى مواجهة أكبر تهديد للصحة العامة منذ قرن من الزمان ـ جائحة فيروس كورونا.
كما لعبت دورا مهما في قيادة الاتحاد الأوروبي للاستجابة للحرب الروسية في أوكرانيا.
aXA6IDMuMTcuMTc5LjEzMiA=
جزيرة ام اند امز