في مواجهة شعب صيني «يتحمل المُر».. ترامب يتراجع ويكشف «نقاط ضعفه»

لم يُظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أي قلق حين تسببت قراراته بفرض رسوم جمركية عالمية في تهاوي أسواق الأسهم وخسارة تريليونات الدولارات من الثروة. بل خاطب الأمريكيين قائلاً: "ابقوا هادئين".
ووفقا لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز، فإنه يوم الأربعاء، وبينما كانت الأسواق تهتز وسجلت عوائد السندات الحكومية الأمريكية ارتفاعاً مفاجئاً، تراجع ترامب جزئياً، وعلّق بعض الرسوم على عشرات الدول لمدة 90 يوماً. هذا التراجع لم يكن فقط تهدئة للأسواق، بل قدم هدية أيضاً لمنافسه الرئيسي، الرئيس الصيني شي جين بينغ، في صراع اقتصادي قد يؤدي إلى فك ارتباط أكبر اقتصادين في العالم.
وهذه الخطوة كشفت نقطة ضعف ترامب: رغم خطابه المتشدد، وهي إنه لا يستطيع تجاهل ضغط الأسواق والاقتصاد. لكن على الجانب الآخر، يبدو أن شي جين بينغ لا يشعر بنفس الضغط، إذ أن العقوبات والرسوم ليست نقاط ضعفه.
اختلاف جذري
ويختلف شي جذرياً عن ترامب في أسلوبه. حيث لا يتواصل مع الشعب عبر وسائل التواصل، لكنه يسيطر عليها بالكامل. ورؤية شي للحياة مبنية على "تحمّل المشاق" كقيمة وطنية.
وفي الصين، تنتشر تعليقات وطنية تدعو للصمود في وجه الحرب التجارية، ويروّج البعض لمقولات ماو تسي تونغ في الحرب الكورية: "سنقاتل طالما أرادوا القتال، وسننتصر في النهاية".
بل إن بعضهم استحضر تجربة "القفزة الكبرى للأمام"، التي أطلقها ماو بين عامي 1958 و1962، وسببت مجاعة أودت بحياة عشرات الملايين. في تلك الفترة، دعا ماو الناس لأكل الحشائش والنباتات البرية مؤكدًا أن التحمل لسنوات سيؤدي للنجاح.
ويبدو أن شي يؤمن بنفس الفلسفة، إذ أنه كثيراً ما تحدث عن فوائد الصبر والمشقة. فقد نشأ في بيئة مضطربة، حيث أُقصي والده من منصبه حين كان عمره تسع سنوات، وخلال الثورة الثقافية أُرسل شي، وهو مراهق، ليعيش في قرية نائية ويعمل في الزراعة.
وفي مقابلة نشرتها وكالة الأنباء الصينية، قال: "السنوات السبع القاسية التي قضيتها في الريف كانت اختباراً عظيماً له وعندما أواجه صعوبة الآن، أسترجع تلك التجربة وأتجاوزها".
وفي 2023، وبينما كانت الصين تكافح لتجاوز آثار جائحة كورونا، دعا شي الشباب لتعلم "أكل المرّ"، وهي عبارة تعني الصبر على المعاناة.
وحتى في مواجهة بطالة الشباب وتباطؤ النمو، رفض شي دعوات الاقتصاديين لتقديم دعم نقدي مباشر للمستهلكين. وفي 2021، أعلن رفضه لـ"الرفاهية الزائدة"، قائلاً إن أي دعم مالي لا يمكن التراجع عنه بسهولة. ورغم أن 600 مليون صيني يعيشون بأقل من 140 دولارًا شهريًا، فإن الحكومة لم تتدخل لدعم استهلاكهم، ما أثر سلباً على الاقتصاد الداخلي. ولكن مع تفاقم أزمة العقارات، بدأ شي يلين موقفه تدريجياً.
أزمة أخطر
إلا أن الحرب التجارية قد تعرقل أي محاولات للتعافي. فهو يعلم أن الحزب الشيوعي لا يمكنه السماح بانهيار اقتصادي يفقده شرعيته. وقد أدت احتجاجات واسعة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى إنهاء سياسة "صفر كوفيد". واليوم، تهدد الرسوم الجديدة صادرات الصين، وهي المحرك الرئيسي لنموها.
وفي أول تعليق علني له على الحرب التجارية، قال شي: "الصين اعتمدت دائمًا على العمل الجاد وليس على صدقات الآخرين. لم نخشَ قط أي قمع غير عادل".
وأما ترامب، فقد تبين أنه لا يستطيع تجاهل وول ستريت والمليارديرات الداعمين له. حتى شخصيات موالية مثل إيلون ماسك ومدير صندوق التحوط بيل أَكمان، أبدوا معارضتهم لسياساته الجمركية.
وفي منشور على موقع "ويبو"، كتب أحد المستخدمين: "الخضوع للهيمنة لم يكن خياراً للصين. إذا كنا قد طردنا الأمريكيين في الحرب الكورية، فلا نخشى عصا الرسوم. يجب أن نرد بقبضة من حديد". ونال المنشور أكثر من 3000 إعجاب – وهو جمهور لا يمكن لترامب أن ينافسه.