أمريكا وإيران وتركيا.. صراع نفوذ تاريخي بالعراق
محلل عسكري أمريكي يقارن المصالح الأمريكية والتركية والإيرانية في العراق، والتحركات المحتملة للثلاثة بعد طرد "داعش" من الموصل
باتت منطقة الشرق الأوسط -كعهدها بقراءة التاريخ- الأرض التي تتصارع عليها القوى الدولية؛ فمن سوريا إلى العراق، كان انتشار إرهابيي تنظيم "داعش" مخلب القط الذي استخدمه الجميع للتدخل في الشأن السوري والعراقي تحت مظلة "حماية المدنيين".
وعن العراق ومعركة الموصل، قال الكاتب الأمريكي والمحلل العسكري، أفشون أوستوفار، في تقرير مطول بمجلة "فورين آفيرز" الأمريكية، إن معركة الموصل ستكون دموية وشرسة وستستغرق الكثير من الوقت، مرجعاً ذلك إلى تعدد اللاعبين في المشهد "الموصلي"؛ فهناك الولايات المتحدة، وتركيا، وإيران، وبالطبع هناك الحكومة العراقية.
لكن تعقد المشهد العراقي يكمن في اللاعبين الثلاثة واشنطن وطهران وأنقرة، أو إذا التزمنا الدقة -حسب تعبير أوستوفار- يكمن في مصالح هؤلاء الثلاثة التي يجمعها مكان الصراع فقط وتفرق بينها الأهداف، فكل منهم يغني على ليلاه.
وأوضح أوستوفار مؤلف كتاب "طلائع الإمام.. الدين والسياسة والحرس الثوري الإيراني"، وأستاذ مساعد لشؤون الأمن القومي في الكلية الحربية بكاليفورنيا، أن لكل من أولئك اللاعبين مصالحه الخاصة في حملة استعادة الموصل من سيطرة "داعش"، وهو يسعى لتحقيق تلك المصالح مع السعي لمنع منافسيه من تحقيق أي مكاسب على الأرض.
وقال أوستوفار إنه من بين القوى الدولية اللاعبة في العراق، يبدو الدور الإيراني الأكثر غموضاً، فرغم خصومتها الطويلة للولايات المتحدة، فإنها تركز على مساعدة الحكومة العراقية لطرد "داعش"، وهي تلتقي جزئياً مع أهداف واشنطن، "لكن وسط الفوضى التي تضرب منطقة الشرق الأوسط حاليا يبدو أن تحقيق ذلك الهدف سيعرض إيران لمجموعة كبيرة من التحديات".
ورسم أوستوفار في مقاله خريطة للصراع الدائر في الموصل بين "الكاوبوي" (أمريكا) و"الفارسي" (إيران) و"العثماني" (تركيا)، وبدأ بـ"الكاوبوي"؛ حيث أوضح أن الولايات المتحدة تدعم تحالفاً يضم قوات من الجيش العراقي، ومليشيات مكونة من عشائر سنية، كما تشارك في المعركة قوات البشمركة الكردية، ومليشيات شيعية، ولكن دور هؤلاء اقتصر على تحرير قرى وبلدات محيطة بالمدينة.
وأشار إلى أن الخطة تقوم بالأساس على طرد "داعش" من مناطق محيطة بالموصل، ثم التقدم من عدة جهات، مع فتح ممر يسمح للإرهابيين بالانسحاب والتراجع نحو سوريا، إلا أن أوستوفار حذر في هذا الصدد من أن المشهد في الموصل لن يكون آمناً بعد طرد الدواعش بل سيصبح شديد الخطورة نتيجة لاقتتال الأطراف المتناحرة التي أسهمت في طردهم فيما بينهم، بحثاً عن الاستئثار بالجانب الأكبر من الغنيمة، وهو الأمر الذي تغض واشنطن عنه البصر.
أما بالنسبة للاعب "العثماني"، قال أوستوفار إن تركيا أخفقت في حجز مكان يمنحها دوراً رسمياً للمشاركة في القتال، ورغم ذلك حشدت قواتها على طول الحدود مع العراق، وهددت بغزو أوسع نطاقاً داخل منطقة الموصل؛ حيث أكدت أنقرة حقها في المشاركة في المعركة بوصفها، حسب تعبير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، "تمثل جزءاً من الإمبراطورية العثمانية القديمة".
وعن المكاسب "العثمانية"، أوضح أوستوفار أنه من شأن المشاركة في طرد "داعش" أن يساعد أنقرة على تصدير ادعاءاتها تجاه تبعية الموصل لها، وتأمين وجود عسكري أكثر ديمومة في شمال العراق، محذرا من أن المشاركة المحتملة لتركيا في "تحرير الموصل" ستؤدي إلى مزيد من التعقيدات، نظراً للعلاقات الهشة بين تركيا وإيران، والتي بدأت مؤخراً ربما في التقارب قليلاً فيما يخص الأزمة السورية.
ومن هنا ينتقل الحديث الي اللاعب "الفارسي"، حيث بدأ أوستوفار بسرد جانب من التاريخ، فقال إن تدخل إيران في العراق يرجع إلى فترة ما بعد الغزو الأمريكي وسقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، حين بات الشيعة العراقيون -الذين تعرضوا لقمع شديد في ظل صدام- يسيطرون على المشهد السياسي في العراق، وهو الأمر الذي ابتهجت له إيران -التي كانت تعاني من ندرة الأصدقاء في المنطقة- لتحول العراق من جار معاد إلى حليف يتمسك بالعقيدة الطائفية نفسها، وباتت حماية الدولة العراقية على رأس أولويات المصالح الأمنية لطهران.
وأوضح أوستوفار أن أساس القوة الإيرانية في العراق هو دعم طهران لمليشيات طائفية وزعمائهم السياسيين، مشيراً إلى أن الحرس الثوري الإيراني بدأ في تدريب وتمويل وتنظيم تلك المليشيات منذ أكثر من 10 سنوات، مضيفاً أن الدور الذي لعبته هذه المليشيات في دعم النظام السوري، ودوراً أساسياً في الحرب ضد "داعش" في العراق، وعرفت بممارساتها الطائفية البغيضة ضد سنة العراق في عدة مدن بعد طرد الإرهابيين منها.
ومن جانب آخر، تطرق المحلل العسكري الأمريكي إلى أرباح "الفارسي" من معركة الموصل، حيث قال إن إيران ترغب في إبقاء الحكومة العراقية كحليف لها وليس فقط جارة مؤمنة الجانب، مشيراً إلى العلاقات الاقتصادية والمصالح الأمنية التي تجمع بين طهران وبغداد، وهي العلاقات التي تتأثر بمدى التقارب بين العراق والولايات المتحدة.
ويختتم أوستوفار تقريرة بالقول إن المصالح الإيرانية في العراق غير مباشرة؛ فهي تحتاج لكل من الحكومة في بغداد، لكي تؤكد نفوذها في الموصل ولتبدو سلطتها مشروعة بنظر السكان السنة هناك، كما تحتاج لدعم مستمر للمليشيات الشيعية لكي تحقق أهدافها وتوسيع نفوذها داخلياً وفي الشأن الأمني العراقي.
وتساءل المحلل العسكري الأمريكي: "من سيكون الرابح من معركة الموصل الأمريكي أم العثماني أم الفارسي؟ وبأي ثمن من خسائر بين المدنيين؟".