سياسيا واقتصاديا وعسكريا.. كيف تستفيد أمريكا من حلف الناتو؟
مع انطلاق اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في مدريد، يتساءل كثيرون حول أسباب الاهتمام المتزايد للولايات المتحدة بالحلف بالآونة الأخيرة.
وبحسب مقال كتبته كاثلين ماكينيس، الزميلة الأقدم ببرنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تكمن الإجابة في الطريقة التي عمل بها الناتو، كما يتضح بالممارسة، من أجل التحقيق المتزامن لكل من المصالح الأمريكية والأوروبية.
وبالرغم من أن الضمان الأمني الذي قدمته أمريكا لحلفائها في الناتو كان في صميم الإطار السياسي العسكري للحلف، حيث أنفقت الولايات المتحدة مبالغ كبيرة من أجل الحفاظ على القدرات الدفاعية كنتيجة لذلك، لم تكن هذه صفقة أحادية الجانب.
وأوضحت ماكينيس أن هذه العلاقة منحت الولايات المتحدة موقعا بالقيادة الاستراتيجية، ونتيجة للدور الرئيسي الذي لعبته أمريكا في العلاقات العابرة للأطلسي والدولية التي عززها الناتو، تمتعت أمريكا بازدهار اقتصادي وحرية هائلين.
وأشارت إلى أن الحكومات الأمريكية المتعاقبة حصلت على وضع متميز عندما تعلق الأمر بقضايا تشمل الشراكات التجارية، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى الدور الضخم التي تلعبه الولايات المتحدة في الدفاع عن حلفائها.
ورأت ماكينيس أن الولايات المتحدة لم تكن لتتمكن من الحفاظ على محفظتها الكبيرة من المبيعات العسكرية الأجنبية وأنظمة التعاون بمجال التكنولوجيا الدفاعية بدون الأساس الاستراتيجي الذي أرساه دورها كضامن أساسي لأمن الناتو على مدار سبعة عقود.
كما يتيح هذا الموقف القيادي – متمثلا في وجودها بالخارج – للولايات المتحدة وضع أجندة الأمن الدولي بطرق سياسية وعملية، ولم تكن أمريكا لتتمكن، على سبيل المثال، من تنفيذ عمليات استطلاع ومكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط وأفريقيا دون القواعد والمعدات المتمركزة مسبقًا التي تمكنت الولايات المتحدة من الاحتفاظ بها على أراضي الحلفاء في أوروبا.
وبحسب ماكينيس، تتيح هياكل الناتو أيضًا للقادة العسكريين الأمريكيين خبرة مباشرة بتعقيدات قيادة العمليات العسكرية متعددة الأطراف، كما يتمثل السبب الآخر طويل الأمد في انخراط الولايات المتحدة بالمسرح الأوروبي في تمكين العمق الاستراتيجي للولايات المتحدة.
وأظهرت التطورات التكنولوجية العسكرية خلال الحروب العالمية أن الولايات المتحدة لم تعد محمية بالمحيطين قبالة شواطئها. ونتيجة لذلك، بحسب ماكينيس، كان من الحصافة الاستراتيجية وضع القوات الأمريكية بالخارج من أجل التمكن من مواجهة عدوان الخصوم – إن لم يكن الصراع المباشر – بعيدا عن الأراضي الأمريكية.
ولم يجعل هذا البر الأمريكي أقل عرضة لخطر الحرب المباشرة فحسب، بل اعتبر أيضًا الوجود المتقدم فعالا نسبيا من حيث التكلفة، لاسيما بالنظر إلى التكلفة الهائلة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المحتملة للحرب على القارة الأمريكية.
وعلى مدار عقود، استمر هذا المنطق بالرغم من تغير السياق الاستراتيجي. على سبيل المثال، كان السبب الرئيسي لعمليات مكافحة الإرهاب التي شنتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول مواجهة الأسباب الجذرية للجماعات المتطرفة العنيفة قبل أن تتمكن مرة أخرى من بناء قدرات وإمكانيات لشن هجمات إرهابية على الولايات المتحدة مجددا.
وأشارت ماكينيس إلى أن الحرب في أوكرانيا، جنبا إلى جنب مع المخاوف بشأن الأمن والدفاع على القارة الأوروبية المتصاعدة الآن، تسلط الضوء مجددا على أهمية الوجود العسكري المتقدم – والفاعلية النسبية من حيث التكلفة.
وقالت إن الإدارة اليومية لعلاقات الحلف تعتبر عملا معقدا، لكن في بناء وإعادة ضبط العلاقات الأمنية مع الدول الأخرى، بما في ذلك الروابط الحيوية في آسيا، يساعد تاريخ الولايات المتحدة في بناء تحالف طويل الأمد والحفاظ عليه في تعزيز مصداقيتها لدى الآخرين.
وعلى نطاق أوسع، يمنح الناتو أعضاءه درجة استثنائية ومهمة للغاية من المرونة الاستراتيجية، وقد أثبت قدرته على التجديد، كما أظهرت تجربته من فترة ما بعد الحرب الباردة.
ومنذ نهاية التسعينيات إلى 2014 تقريبا – وإلى حد كبير كنتيجة لتشجيع الولايات المتحدة – ركز الناتو في الأساس على الأمن المشترك وإدارة الأزمات في الدول المجاورة لأوروبا والشرق الأوسط.
وقالت ماكينيس إن القيادة الاستراتيجية والعمق الاستراتيجي والمرونة الاستراتيجية هي السبب في صعوبة المبالغة في تقدير قيمة الناتو، حيث إنه ترتيب سياسي عسكري أثبت مرونة مذهلة على مر العقود، ولطالما أثبت قيمته لأعضائه على جانبي الأطلسي.
aXA6IDMuMjIuNDIuMTg5IA==
جزيرة ام اند امز