"حدوة الفرس" بأمريكا.. هل يتوحد أقصى اليمين واليسار ضد أوكرانيا؟
هل نجحت الحرب الروسية الأوكرانية في خلق تقارب بين أقصى اليسار واليمين المتطرف بأمريكا عبر اصطفافهما ضد كييف على طريقة "حدوة الفرس"؟
سؤال يجد إجابته في تشريح المشهد السياسي الأمريكي منذ بدء الحرب شرقي أوروبا في فبراير/ شباط الماضي، واللغط الذي أحاط بهذه التطورات في علاقة بالاصطفافات السياسية بالولايات المتحدة.
فرغم أن غالبية الأمريكيين، بقيادة الرئيس جو بايدن، دعموا أوكرانيا، إلا أن الكثيرين من التيارين اليساري واليميني المتطرفين سارعوا للدفاع عن نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو على الأقل، حث واشنطن على عدم التدخل في الدفاع عن كييف، بحسب تحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية.
وبدأ تاكر كارلسون، وجه قناة "فوكس نيوز" الأمريكية ومقدم أشهر برنامج تلفزيوني بالولايات المتحدة، تقديم نقاط حوارية مؤيدة للكرملين على مدار شهور، وهو ما تعرضه غالبا شاشة التلفزيون الرسمي الروسي.
كما تنشر شخصيات أخرى تنتمي للتيار اليميني المتطرف معلومات مناهضة لأوكرانيا وتحشد ضد إرسال أسلحة ثقيلة إلى البلد الذي يخوض حربا مع روسيا.
أما المصادر اليسارية، فالتزمت بلهجة التيار التي تلقي باللوم على توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) في نشوب الحرب الروسية، وتعارض المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا.
وعبر الإنترنت، تجد جيوش من الحسابات اليسارية واليمينية خطأ في سياسة أوكرانيا ورئيسها، وفي الكونجرس، صوّت سبعة من أكبر أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب، إلى جانب نواب تقدميين آخرين، ضد الحظر على الوقود الأحفوري الروسي، كما عارضوا سيطرة الحكومة الأمريكية على أصول "الأوليغارش الروس" (أصدقاء بوتين).
"حدوة الفرس"؟
تسلط كل تلك التطورات الضوء على التحالف الغريب بين طرفي الطيف السياسي، لكن السؤال هو: لماذا؟
وبحسب التحليل، يبدو أن ذلك هو النسخة الحديثة لنظرية "حدوة الفرس" السياسية، حيث يجد اليسار واليمين أنفسهما على توافق غريب، ورغم انتقادها تاريخيا، يبدو أنها تبدو جيدة عندما يتعلق الأمر بالرأي الأمريكي في الحرب الروسية الأوكرانية. لكن هذا لا يتعلق بشكل كبير بالتناظر الأيديولوجي، أو حتى موسكو وكييف، في هذا الصدد.
و"حدوة الفرس" في العلوم السياسية والخطاب الشعبي تفترض بأن أقصى اليسار واليمين المتطرف بدلاً من أن يكونا على طرفي نقيض ومتعارضين من سلسلة سياسية خطية متصلة، فإنهما يتشابهان إلى حد بعيد مع بعضهما البعض على غرار الطريقة التي يكون فيها طرفا حدوة الحصان على تقارب من بعضهما البعض.
ويتعلق الأمر بالحالة المشحونة للسياسة الأمريكية، حيث لم يعد الاعتماد على مفاهيم بسيطة مثل "اليسار" و"اليمين" أو "المحافظ" و"التقدمي" يخدم فهم التطورات السياسية.
ومنذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا قبل أشهر، دعمت الغالبية العظمى من الأمريكيين من كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) موقف الحكومة؛ حيث يؤيدان إرسال المساعدات العسكرية والإنسانية إلى أوكرانيا، كما يوجد دعم حزبي كبير لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين بالولايات المتحدة، لكن روسيا وجدت من جانبها حلفاء صريحين أيضا.
وأشار التحليل إلى أن العلاقة الأيديولوجية والمالية الوثيقة بين العديد من الأحزاب الأوروبية اليمينية والكرملين ليست سرًا، مما يجعل دعمها لحملة بوتين أمرا طبيعيا.
لكن عناصر كبيرة من اليمين الأمريكي، بما في ذلك أعضاء بالحزب الجمهوري، انحازت إلى روسيا منذ بداية الحرب.
وتاريخيا، مارس الحزب الجمهوري جهوده المناهضة للاتحاد السوفيتي (قبل 1989) وروسيا (بعد 1989) وكان له التأثير الكبير، وفي 2012، وصف المرشح للرئاسة ميت رومني روسيا بالخصم الجيوسياسي للولايات المتحدة.
وفي 2022، خرج جمهوريون – من بينهم ترامب وأكبر أبنائه دونالد ترامب جونيور- عن الخط الحزبي بانتقاد أوكرانيا والجهود الأمريكية لمساعدتها.
وفي تلك الأثناء، اتجه العديد من المنتمين للتيار اليساري التقدمي – بينهم أعضاء منظمة "الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكيون" والساسة الذين يدعمونهم، وأساتذة الجامعات اليسار والكتاب- للانحياز إلى روسيا أو على الأقل عدم الانحياز إلى أوكرانيا.
وتعكس حججهم الأساسية تلك التي يتبناها التيار اليميني، والتي تتمثل في توسع الناتو ومخاوف روسيا الأمنية المشروعة باعتبارها أسباب الحرب، بالإضافة إلى إساءة استخدام الأموال التي يمكن استخدامها لحل المشاكل المحلية – لكنهم أحيانا أيضًا يعربون عن معارضتهم للحرب بشكل كامل، وأحيانا يدعمون روسيا صراحة، ليأتي كل ذلك في شكل معارضة التدخل الأمريكي في الخارج، الذي غالبا ما يفسر بـ"الإمبريالية الأمريكية."
وأشار التحليل إلى أن ما يوحد التيارين اليساري واليميني، رغم أهدافهما ودوافعهما السياسية المتباينة، هو علاقتهما بالسياسة الأمريكية؛ حيث يتوحدون في معارضة ما يعتبرونه أخطاء في الوضع الراهن، وعدم الثقة في المؤسسة، والمعاداة الفجة لأمريكا.