يبدو أن الرئيس دونالد ترامب ماض في توجهات سياسته الخارجية التي اتبعها خلال حملته الرئاسية،
من الواضح أن ثمة مؤشرات تصعيدية واضحة في العلاقات الأمريكية الإيرانية، بعد الجهود الثنائية والدولية المضنية التي أثمرت إلى ترميم جوانب منظورة في العلاقات البينية خلال إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. هذا التصعيد تحكمه محددات وازنة، أبرزها جانبان حتى الآن، الأول فريق العمل الذي سيواكب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، والثاني تجديد العقوبات من قبل مجلس الشيوخ لمدة عشر سنوات. وهما أمران سيتحكمان بالكثير من جوانب العلاقة البينية ، كما العلاقات الأمريكية مع أطراف الاتفاق الآخرين روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، وإن بنسب ونوعيات مختلفة الأوجه.
في الجانب الأول، يبدو أن الرئيس دونالد ترامب ماض في توجهات سياسته الخارجية التي اتبعها خلال حملته الرئاسية، وما يعزز ذلك التّوجه الأشخاص الذين تم اختيارهم للمراكز الحساسة في مجلس الأمن القومي، أو وزارة الدفاع، وجميعها أسماء تناصب العداء الشديد لإيران، وفي الأساس كانت آراؤهم واضحة لجهة رفض الاتفاق النووي شكلاً ومضموناً، باعتباره يضر أولاً بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية ، وثانياً بالمصالح «الإسرائيلية». فعلى سبيل المثال لا الحصر، اختيار مايك بومبيو رئيساً لوكالة المخابرات المركزية، وهو المعروف بمعارضته للاتفاق النووي مع إيران، واختيار مايكل فلين مستشاراً للأمن القومي، وجيمس ماتيس المرشح لمنصب وزير الدفاع. والمرشحون الثلاثة لوزارة الخارجية، رودي جولياني وجون بولتون وميت رومني، وجميع هذه الأسماء، لها صولات وجولات كبيرة في معاداة إيران وانتقاد سياسة أوباما الخارجية، ما يعني أن التصعيد قادم والاحتمالات مفتوحة على كثير من الأزمات المتصلة في الشرق الأوسط.
في المقلب الآخر، ثمة تجديد لقانون العقوبات الاقتصادية والعسكرية من قبل مجلس الشيوخ بأغلبية ساحقة 99 صوتاً، والذي يشكل حرجاً قوياً للرئيس الحالي باراك أوباما، والذي من المؤكد أنه لن يستعمل حق النقض، وبالتالي سيوقّعه، وسيصبح ساري النفاذ حتى قبل استلام الرئيس المنتخب ترامب لمهامه في العشرين من كانون الثاني 2017. ماذا يعني ذلك؟ أولً ثمة سياسة خارجية أمريكية تجاه الشرق الأوسط، محددة المعالم، تجاه إيران والملفات المرتبطة بها ومن بينها ملف الأزمة السورية، رغم ما يحكى عن تقاطع مصالح روسية أمريكية قادمة في هذا المجال، والتوجه الخاص لترامب باتجاه أولوية القضاء على تنظيم «داعش» وليس بالضرورة إسقاط النظام السوري. لذلك، فإن السياق الذي اتبعه مجلس الشيوخ، قد أسهم بشكل فاعل في تحديد خيارات السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة القادمة، ومن بينها العودة إلى مروحة واسعة من الخيارات في هذا الشأن، ومن بينها المواجهة العسكرية ضد إيران، التي طرحت وتم تفاديها نتيجة الاتفاق النووي. وهو أمر من الصعب تكراره في وجود صقور من المحافظين في وزارتي الدفاع ومجلس الأمن القومي. في المقابل، ثمة صور متنوعة للعلاقات الأمريكية مع بقية أطراف الاتفاق الآخرين، إذ يتحكم فيها الكثير من العوامل والمؤثرات التكتيكية والاستراتيجية، لكن المشترك فيها جميعها، قدرة واشنطن على السيطرة في معظم وسائل وأدوات إدارة الأزمة الأساسية والأزمات المتفرعة عنها، فعلى الرغم من أن الاتفاق النووي يبقى قائماً بين إيران والأطراف الأخرى ، كونه اتفاقاً دولياً معززاً بقرار صادر عن مجلس الأمن ضمن إطار الفصل السابع، إلا أن واشنطن لها القدرة على فرض وجهات نظرها في العقوبات الاقتصادية والعسكرية على بقية الأطراف، ودليل ذلك ما استعملته واشنطن من أدوات الضغط على إيران والمجموعة الدولية منذ العام 1996 إبان قانون داماتو ومجموعة القرارات الدولية التي اتخذت في حق إيران في مراحل لاحقة.
في أي حال من الأحوال، وإن تكن السياسات العامة الأمريكية تتحكم فيها الكثير من المحددات ومن بينها المؤسسات، يبقى، أن التركيبة القادمة إلى البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية ووكالتي المخابرات المركزية والقومية ومجلس الأمن القومي، تشي بأنماط وصور غير وردية في العلاقات الأمريكية الإيرانية، وهو أمر سيفتح الأبواب على مسارات إقليمية ودولية من الممكن أن تعيد خلط الكثير من الأوراق إلى المربع الأول.
* نقلا عن الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة