عقوبات الغرب أم رد أوكرانيا.. من يحسم الحرب؟
من يحسم حرب أوكرانيا؟ هل هي العقوبات الغربية على موسكو أم الهجوم المضاد؟ وبالأحرى هل تنجح ورقة الضغط أم التقدم على الأرض؟
تحليل نشرته مجلة أمريكية يقدم رؤيتها للموضوع، أشارت فيه إلى أن السبب وراء عدم قدرة العقوبات على وقف روسيا يكمن في أن هذه التدابير العقابية لن تقرر نتيجة الصراع، وإنما نجاح الهجوم الأوكراني المضاد هو من سيحسم الحرب.
وتعتبر العقوبات الاقتصادية والجزاءات المالية جزءًا لا يتجزأ من فن الحكم، سواء استخدمت لتحقيق مصالح جيوسياسية أو التأثير على قرارات الدول الأخرى، بحسب التحليل المنشور في مجلة "ذا ناشيونال إنترست" الأمريكية.
ومنذ عام 1990، ازداد استخدام العقوبات الاقتصادية بشكل كبير، لا سيما بموجب المادة السابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ وتعتبر العقوبات على العراق ويوغوسلافيا أمثلة تاريخية، في حين أن العقوبات الراهنة ضد روسيا تشكل حالات حديثة.
نجاعة نسبية
وفي عالم تسوده العولمة، يتعين أن يكون للعقوبات تأثير هائل على قرارات الدول، لكن عمليا لا يحدث ذلك دائما. ويؤكد قرار روسيا الأخير بإجراء ضم رسمي للأراضي الأوكرانية رفضها التراجع في الحرب المستعرة منذ أشهر.
وأشار التحليل إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر "الروبيكون" (أي أنه اتخذ خطوة لا رجعة فيها) وأنهى أي خيار للتراجع، فيما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن الولايات المتحدة لن تقبل أبدا نتيجة تلك الاستفتاءات، في إشارة للاستفتاءات التي أجرتها روسيا على ضم مناطق أوكرانيا إليها.
وفرضت على روسيا عقوبات وتضرر اقتصادها حيث غادرت حوالي ألف شركة دولية، تمثل 40% من إجمالي الناتج المحلي الروسي، سوقها. وحرمت روسيا أيضًا من عديد من الواردات، لا سيما المنتجات التكنولوجية الغربية المهمة مثل أشباه الموصلات، بحسب التحليل.
وبالرغم من الضربات الاقتصادية التي تلقتها روسيا، لم ينسحب جيشها من أوكرانيا، ولن تغير العقوبات قرار بوتين بالحرب، بحسب التحليل، مشيرًا إلى أن بوتين لا يزال يتمتع ببعض النفوذ، وسيصمد في وجه العاصفة، بشرط ألا ينهار جيشه بسبب الهجوم المضاد الأوكراني.
متغيرات
واعتبر التحليل أن فاعلية العقوبات في تغيير سلوكيات الدول أمر قابل للنقاش؛ حيث إن السياسات والأحكام الخاصة بالدولة المستهدفة بالعقوبات تحددها العديد من المتغيرات والأهمية التي يمنحها لها قادة البلاد.
ويتضمن ذلك المخاوف الأمنية، أهداف السياسة المحددة، والرفاه الاقتصادي، والرأي العام، وغالبا ما تقيم الدول الاستراتيجية المتاحة أمامها ثم تتوصل إلى قرار.
وتعتبر قدرات الدول على فرض عقوبات اقتصادية جسيمة وقدرة الدولة المستهدفة بها على تحملها محددات رئيسية في النتيجة النهائية. وفي النهاية، يعتمد نجاح العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدول الأجنبية أو المؤسسات المتعددة الأطراف على كيفية تأثير تلك المتغيرات على البلد المستهدف.
واستشهد التحليل بمثال عملي على تلك المتغيرات يتضمن تطوير الهند وباكستان لأسلحة نووية، مشيرًا إلى أن قادة الهند توصلوا إلى أن اقتصاد البلد قوي بما يكفي لتحمل العقوبات الأمريكية، ودعمهم الرأي العام الهندي في سعيهم وراء الأسلحة النووية.
وقررت باكستان، في الوقت نفسه، أن عدم امتلاك أسلحة نووية يشكل تهديدا خطيرًا على أمنها القومي وأن العقوبات مقبولة، رغم مساسها بالنمو الاقتصادي.
وبالمقارنة مع الهند وباكستان، تتمتع روسيا بنفوذ أكبر بكثير، وقررت نصف دول مجموعة العشرين وضع مصالحها الاقتصادية فيما يتعلق بموسكو قبل سيادة أوكرانيا. وعلاوة على ذلك، لا يزال بوتين يتمتع بمعدل تأييد أكثر من 70%، أي أكثر بكثير من أي زعيم آخر يخضع للعقوبات في التاريخ.
ورأى التحليل أن الاستخدام غير المحدود للعقوبات ليس مستداما بسبب الضعف الأوروبي الجغرافي واعتمادها على الطاقة الروسية؛ فحوالي 40% من الغاز الطبيعي الأوروبي يأتي من روسيا، وسيؤثر قرار بوتين بتقييد تلك الإمدادات على الصناعة الأوروبية.
وفي يوليو/تموز، وافق القادة الأوروبيون على خفض استخدام الغاز الطبيعي بنسبة 15%، وأكدوا التزامهم بإيجاد البدائل. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يبني الأوروبيون محطات للغاز الطبيعي وتبحث عن موردين جدد، لكن هذا سيستغرق سنوات، لكن على المدى القصير، لا مفر من الركود.
وأوضح التحليل أن هناك أوقات تكون فيها الإجراءات التي تتجاوز العقوبات ضرورية؛ فقد أجبرت قوات التحالف -وليس العقوبات الاقتصادية- الجيش العراقي على الخروج من الكويت عام 1991. ولم يكن للعقوبات أي تأثير كبير على قرارات قادة صربيا خلال حروب البوسنة وكوسوفو.
ولفت إلى أن تلك الأمثلة توضح أن العقوبات غالبا لا تغير الحسابات الاستراتيجية لقادة البلاد وتثبت فاعلية القوة العسكرية والعمليات السرية. وبالتالي، فإن نجاح أو فشل الهجوم المضاد الأوكراني سيقرر في النهاية نتيجة الصراع.
aXA6IDMuMTQ1LjE2My4xMzgg جزيرة ام اند امز