الانسحاب الأجنبي من أفغانستان.. مخاوف يعززها الماضي
إذا كان التاريخ مؤشرا، فقادم الأيام في أفغانستان قد لا يبشر بحياة وردية كاملة الأوصاف، بعد اكتمال الانسحاب الأجنبي من "مقبرة الإمبراطوريات".
في أبريل/نيسان الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن انسحاب جميع قوات بلاده من أفغانستان قبل الـ11 من سبتمبر/أيلول القادم، وهي الذكرى العشرين للاعتداءات التي شهدتها الولايات المتحدة عام 2001.
وعلى الرغم من إحباط الحلفاء من الطريقة التي تعاملت بها الولايات المتحدة مع جهود السلام ومسألة الانسحاب، فقد تمسك الناتو باستمرار بموقفه "الدخول معا ، الخروج معا"، وهو ما تعكف عليه الدول الأعضاء التي بدأت الالتحاق بركب واشنطن.
خروجٌ يشكل خاتمة لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها على مدار عقدين من الزمن، لكنه سيزيح الستار عن غدٍ قاتم لبلد مزقته أعمال العنف.
ومع ذلك، كانت أفغانستان عالقة في بؤس خلال السنوات العشرين الماضية، إذ لم تسفر الحرب عن مقتل ما لا يقل عن مئة ألف مدني هناك فحسب، بل تركت البلاد أيضا تواجه صعوبات في إعادة بناء اقتصادها ونظامها السياسي.
وهو ما يدفع للسؤال: ماذا ينتظر أفغانستان بعد الانسحاب؟
للبحث عن إجابة لهذا السؤال، قد يعود البعض وراء للتاريخ، ويتوقف عند الحقبة التي تلت الانسحاب السوفيتي، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، والتي تعطي مؤشرا بأن البلد ليس بمنأى عن حرب أهلية جديدة، دون انعدام الأمل بمصالحة بين "أخوين مسلمين" تقود لسلام يداوي جروح الماضي.
فبعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي من أفغانستان عام 1989، ووقف الدعم الروسي المادي في 1992، انهار حكم النظام الشيوعي القومي، بقيادة الرئيس محمد نجيب الله، ما أدى إلى اندلاع الحرب الأهلية، قبل أن تفرض حركة طالبان سيطرتها على كابول سنة 1996 ومناطق أخرى لاحقا.
مؤشر الحرب يعززه غياب اتفاق لوقف إطلاق نار مستدام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وعدم معرفة ديمومة الدعم الأجنبي سواء العسكري أو المالي لكابول.
ليست وحدها الحرب الأهلية هي التي تلوح في الأفق، فرياح الانسحاب قد تسلب الحكومة الأفغانية نفوذها، وتترك الجيش وحيدا يواجه حركة طالبان التي تخوض تمردا ضد السلطات وتسيطر على ما يزيد على نصف مساحة البلاد، وتعطي الجماعات المتطرفة الأخرى مجالا إضافيا للتنظيم والتجنيد وبدء الهجمات الإرهابية.
وهو ما اعترف به رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارك ميلي، مؤخرا، بوجود نتائج محتملة بينها "انهيار الحكومة الأفغانية والجيش، ونشوب حرب أهلية ترافقها كارثة إنسانية، مع عودة محتملة لتنظيم القاعدة".
وبالنظر إلى أرقام السلطات الأفغانية، فإن 350 ألف جندي وشرطي ينفذون في الوقت الحالي 98% من العمليات ضد المسلحين المتمردين، بدعم جوي أمريكي.
لكن هذا التصميم لدى القوات الأفغانية قد يجد نفسه على المحك بدون الدعم الأمريكي الجوي.
"عواقب وخيمة"
وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، حذرت من "العواقب الوخيمة المتوقعة وغير المقصودة للبقاء والمغادرة" من أفغانستان.
وقالت كلينتون لشبكة CNN الأمريكية، إن هناك مخاطرة بأن تستعيد طالبان- الحركة التي أطاح بها التدخل الأجنبي الذي قادته الولايات المتحدة عام 2001 - السيطرة.
وكانت كلينتون، مثل بايدن الديمقراطي، من أشد المؤيدين للتدخل الأمريكي في أفغانستان بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
وينتشر حاليا ما لا يقل عن 2500 جندي أمريكي كجزء من مهمة الناتو الأفغانية البالغ قوامها 9600 جندي.
وفي دفاعه عن قراره الذي استعصى على سابقيه من الرؤساء، قال بايدن إن الانسحاب الأمريكي كان مبررا لأن قوات بلاده ضمنت أن البلاد لم تعد قاعدة للجهاديين الأجانب للتآمر ضد الغرب، مؤكدا أن الولايات المتحدة "لن ترفع أعينها عن التهديد الإرهابي".
ولدى سؤالها عن قرار الرئيس، أجابت كلينتون: "يتعين على حكومتنا التركيز على نتيجتين كبيرتين" ، لا سيما استئناف أنشطة الجماعات المتطرفة وتدفق اللاجئين من أفغانستان لاحقا.
وأشارت إلى أن الانهيار المحتمل للحكومة الأفغانية واستيلاء طالبان المحتمل على السلطة قد يؤدي إلى حرب أهلية جديدة.
ولم تنس المرشحة الرئاسية السابقة، التطرق لآلاف من الأفغان الذين عملوا مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي خلال الصراع ، داعية إلى وضع برنامج تأشيرات لاستقبال أي لاجئين.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للأفغان الشعب؟
"قتال بين أخوين مسلمين" هكذا يعني الأمر لباشا خان، المزارع في ولاية قندهار التي شهدت في السابق معارك عنيفة، لكنه لم يخف أمله في أن يتصالح الطرفان ويتوصلان إلى سلام يداوي ندوب الماضي.
وكانت حركة طالبان قد أوقفت هجماتها ضد القوات الأجنبية بعد توقيعها اتفاقا في فبراير/شباط 2020، نص على الانسحاب الأمريكي من البلاد.
بيْد أن المعارك لا تزال حية بين طالبان والجيش الأفغاني في المناطق القبلية، خصوصا في ولاية قندهار، مهد الحركة التي حكمت البلاد بين عامي 1996 و2001.
المرأة في عين العاصفة
تخوف آخر بدأ يسري في عروق الأفغانيات اللاتي عشن في العقدين الماضيين عصرا "ذهبيا" بنظرهن، حيث بدأن العمل في كل القطاعات الاقتصادية تقريبا.
لكن الكثير من أبناء هذا البلد يخشون أن تهدم "طالبان" التي منعت تعليم الفتيات وعمدت إلى رجم النساء المتهمات بالزنا، خلال توليها الحكم في السابق، التقدم الذي حققته أفغانستان في هذا الطريق.
في المقابل، شهدت البلاد بالفعل بدايات نزوح جماعي للنخبة السياسية ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين والمثقفين خلال العام الماضي بسبب حملات القتل المستهدف التي اجتاحت البلاد ونُسبت على نطاق واسع إلى طالبان.
وأثارت تلك الهجمات إلى جانب احتمال انزلاق البلاد مرة أخرى تحت حكم طالبان، الرعب في قلوب العديد من الأفغان.
تقول ليزا كيرتس، التي شغلت منصب كبير مسؤولي البيت الأبيض في أفغانستان وباكستان، إن "سبب ضعف تنظيم القاعدة في الوقت الحالي هو أننا نضغط عليهم"، ما يجعل من الصعب عليهم محاولة إعادة تجميع صفوفهم.
مستدركة "لكن بدون وجود أمريكي ستكون لديهم (القاعدة) الحرية لفعل ذلك بالضبط".
تحذير كيرتس، كرره مدير وكالة المخابرات المركزية وليام جيه بيرنز ، الذي أخبر المشرعين في وقت سابق، أن المغادرة العسكرية ستقلل من قدرة الحكومة الأمريكية على اكتشاف التهديدات المتطرفة والرد عليها ، بما في ذلك تنظيم داعش.
وقال: "بصراحة، هناك خطر كبير بمجرد انسحاب الجيش الأمريكي وجيوش التحالف".
"التحدي الآخر"
تحدي آخر لفتت له صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، وهو كيفية المراقبة الفعالة وربما ضرب الجماعات المتطرفة في أفغانستان.
وفي هذا الصدد، تقول الصحيفة "يمكن للطائرات الأمريكية إطلاق رحلات من القاعدة الجوية مترامية الأطراف خارج العاصمة القطرية والتي تعد المحور الجوي الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط".
وهنا تستدرك الصحيفة "لكن بُعد الدولة الخليجية عن أفغانستان، بالإضافة إلى الحاجة إلى التحليق حول الجارة إيران ، يجعلها خيارا مكلفا".
وتتطلب الطائرات المقاتلة التي تحلق من قطر إلى أفغانستان عمليات إعادة تزويد بالوقود في الجو ، والتي إذا تم توسيع نطاقها يمكن أن تزيد من إجهاد مخزون الجيش من طائرات الناقلات القديمة.
والأهم من ذلك ، أن تلك الرحلات الجوية ستحدث بدون دعم البحث والإنقاذ على الأرض المتوفر لديهم الآن.
ويستلزم تحليق طائرات بدون طيار مثل MQ-9 Reaper من قطر رحلة ذهابا وإيابا من ست إلى ثماني ساعات ، مما يقلل من الوقت الذي يمكن أن تقضيه الطائرات بدون طيار فوق أفغانستان.
وهذا يعني أن الجيش سيحتاج إلى عدد كبير من الطائرات بدون طيار لتحقيق تغطية على مدار 24 ساعة في مناطق متعددة من أفغانستان في الوقت الذي يسعى فيه البنتاجون إلى تحويل موارد المراقبة إلى شرق آسيا.
ونقلت واشنطن بوست عن مسؤولين حاليين وسابقين، قولهم إن الإدارة الأمريكية ستنظر على الأرجح في خيارات أوثق لعمليات الطائرات بدون طيار ، بما في ذلك أوزبكستان ، التي كانت قاعدتها كارشي خان أباد مركزا لوجستيا لأفغانستان حتى أطاح المسؤولون الأوزبكيون بالولايات المتحدة في عام 2005.
وفي ظل شبح عودة طالبان إلى الحكم، يخشى قسم كبير من الأفغان رحيل الأمريكيين ما لم يتم إرساء السلام، ويتخوفون من حمام دم وحرب لا تنتهي.
لكن يبقى السؤال الأهم : هل نجحت الولايات المتحدة في تحقيق أهداف حربها الطويلة في أفغانستان؟، ربما الإجابة في ثنايا ما كتبه الكاتب الأمريكي سيث جي جونز، في عمله "في مقبرة الإمبراطوريات: حرب أمريكا في أفغانستان".
aXA6IDUyLjE1LjM3Ljc0IA== جزيرة ام اند امز