"أرتميس" الأمريكية.. توأم "أبولو" تصطاد الروس على القمر
من الأرض، تنتقل الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة إلى الفضاء، وتحديدا إلى القمر، حيث تستهدف واشنطن تحقيق قفزة لـ"اصطياد" الروس.
فبعد أقل من شهر على إعلان روسيا الانسحاب من محطة الفضاء الدولية بعد العام 2024، تتجه واشنطن إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر في وقت مبكر من عام 2025.
كما تخطط لإنشاء مستعمرة قمرية طويلة الأجل كنقطة انطلاق لرحلات مستقبلية تحمل الناس إلى المريخ.
وثبة عملاقة تستهدفها واشنطن مع الإطلاق الأول، المقرر الإثنين المقبل، في فلوريدا، لنظام الإطلاق الفضائي (إس.إل.إس) الضخم من الجيل التالي، وكبسولة "أوريون" المصممة لحمل أفراد الطاقم.
ومن المقرّر إطلاق المركبة الفضائية "أوريون" المدمجة، من مركز كنيدي للفضاء في كيب كنافيرال، وإرسال الكبسولة غير المأهولة حول القمر والعودة إلى الأرض، في رحلة تجريبية مدتها 6 أسابيع تسمى "أرتميس 1".
واختارت ناسا اسم "أرتميس" لبرنامجها على اسم أخت "أبولو" التوأم في الأساطير اليونانية القديمة.
لماذا الآن؟
لا شيء يكون اعتباطيا حين يتعلق الأمر بالحرب الباردة الدائرة بين روسيا والغرب، والتي تفاقمت منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي.
فتوقيت الإعلان الأمريكي عن إطلاق "أرتميس 1" إلى القمر يأتي بعد أقل من شهر فقط على إعلان يوري بوريسوف، الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، أن موسكو قررت الانسحاب من محطة الفضاء الدولية "بعد العام 2024".
وفي رد فعل فوري حينها، رأت واشنطن في القرار الروسي تطورا مؤسفا، بينما أكد البيت الأبيض أنه لم يتلق بلاغا رسميا بشأن هذا الانسحاب وأنه يدرس بدائل لتخفيف وطأته، ومطاردة الروس.
وتماما كما دفعت نهاية الحرب الباردة، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، البلدين إلى التعاون ومن ثم إنشاء المحطة، فإن الحرب الساخنة الحالية بين الغريمين التقليديين، ستكون أحد أسباب انهيار الشراكة التي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن.
انهيار لن يعني الكثير بالنسبة لموسكو التي تخطط لبناء محطتها الفضائية الخاصة بها والتي تأمل أن تتمكن من الاستقرار في مدارها حول الأرض بحلول عام 2028.
لكن الأمر بالنسبة لواشنطن أكبر من ذلك بكثير، وحربها بالوكالة مع غريمتها التقليدية يدفعها لإحياء محاولاتها لتحقيق طموحاتها بخصوص الفضاء والقمر تحديدا.
تحد يدفعها -عبر وكالة ناسا- للمحاولة مجددا بعد نصف قرن من نهاية عصر برنامج "أبولو"، لإعادة رواد الفضاء إلى سطح القمر، مع أن الكثير من الأجهزة الضرورية لا تزال مجرد تصميمات على الورق.
وبعد أكثر من 10 سنوات من التطوير مع سنوات تأخير وتجاوز التكاليف بمليارات الدولارات، كلفت كبسولة رواد الفضاء "أوريون" حتى الآن وكالة "ناسا" ما لا يقل عن 37 مليار دولار، بما في ذلك التصميم والبناء والاختبار والمنشآت الأرضية.
وتهدف الرحلة المقررة بعد يومين، إلى وضع مركبة نظام الإطلاق الفضائي، التي تُعتبر المركبة الصاروخية الأكثر تعقيداً وقوة في العالم، في اختبار إجهاد صارم لأنظمتها أثناء رحلة فعلية قبل اعتبارها جاهزة لنقل رواد الفضاء.
ويمثل نظام الإطلاق الفضائي أكبر نظام إطلاق رأسي جديد بنته "ناسا"، منذ إطلاق صواريخ "ساترون 5"، خلال برنامج "أبولو"، في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
مشاحنات
على خيط رفيع كان التعايش بين روسيا وواشنطن ضمن وكالة الفضاء الدولية يحاول الصمود أمام تضارب المصالح والرؤى السياسية، قبل أن تدفع حرب أوكرانيا نحو انهيار جميع المحاولات، ليتفاقم التوتر في السماء أيضا.
ففي يوليو/ تموز الماضي، وبخت وكالة ناسا 3 رواد فضاء روس على متن المحطة، لاحتفالهم بسيطرة روسيا على مناطق شرق أوكرانيا، مستنكرة حينها استخدام المحطة لأغراض سياسية.
وقبلها بأسابيع قليلة، اضطرت المحطة لتعديل مدارها لتجنب الاصطدام بحطام ناجم عن اختبار سلاح روسي مضاد للأقمار الصناعية، حيث تناثرت البقايا في مدار أرضي منخفض مع آلاف القطع من الشظايا.
ومع أن الحرب في أوكرانيا شكلت دافعا أساسيا لاشتعال الحرب في الفضاء، إلا أنها لم تكن سابقة في تاريخ التوتر الطويل بين الجانبين.
فعلى مدار سنوات من الشراكة بينهما، شكلت المشاحنات والمنازعات السمة الأبرز لتعاملاتهما، وبلغ الأمر حد تهديد روسيا، في 2014، بطرد ناسا من محطة الفضاء الدولية بحلول عام 2020، وذلك ردا على العقوبات الأمريكية على موسكو على خلفية ضم شبه جزيرة القرم.
ومع أن موسكو لم تنفذ تهديدها، لكن العلاقات في السماء لم تكن أبدا على ما يرام، تماما كما كانت دائما على الأرض.