"الخط الأحمر".. جسر لعبور الأزمات بين واشنطن وموسكو منذ 60 عاما
اتصالات فوق العادة، جمعت بين واشنطن وموسكو، لسنوات بوسيلة بلغت شهرتها الآفاق، وعرفت باسم "الخط الأحمر".
"الخط الأحمر" انطلق بين الجانبين في 30 أغسطس/آب 1963، كقناة اتصال مباشرة لحل الأزمات بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.
أول رسالة تم تبادلها عبر هذا الخط كانت من واشنطن إلى موسكو، وكانت غريبة المعنى لكن الهدف منها كان تجربة كل حروف الأبجدية.
الرسالة كانت تقول "الثعلب البني السريع قفز على ظهر الكلب الكسول 1234567890".
التفكير في إنشاء خط اتصال بين واشنطن وموسكو جاء بعد أزمة الصواريخ في كوبا في 1962 إذ اتفق الرئيس الأمريكي جون كينيدي والزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشيف على أن العالم كاد يدخل في نزاع نووي جراء هذه الأزمة.
وسمح خط الاتصال الشهير هذا بتوجيه رسائل تحذير بين واشنطن وموسكو، التي باتت العلاقات بينهما في أدنى مستوى منذ بدء الأزمة الأوكرانية في فبراير/شباط 2022.
وبعكس الاعتقاد الشائع، لم يكن الخط الأحمر عبارة عن هاتف أحمر اللون، بل كانت بدايته على شكل جهاز تلغراف ضخم وكابلات في مياه المحيط الأطلسي كان كل من البلدين يختبرها في كل ساعة.
وقامت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" التي كانت تدير الاتصالات من الجانب الأمريكي بإرسال معلومات متفرقة مثل نتائج مباريات رياضة البيسبول، في حين كان الكرملين يفضل إرسال مقتطفات أدبية روسية، بحسب هاورد باتريك أحد القائمين على تشغيل الخط الأحمر في بدايته.
ولعل أول معلومة يتم نقلها عبر الخط الأحمر كانت رسالة أمريكية مفادها أن الرئيس جون كينيدي تم اغتياله.
وشهد عام 1967 أول استخدام لهذا الخط للحيلولة دون وقوع نزاع بين القوتين العظميين، خلال حرب يونيو/حزيران 1967 إذ تبادل الرئيس الأمريكي ليندون جونسون والزعيم السوفيتي أليكسي كوسيغين، 19 رسالة خلال الحرب.
وأصبح جونسون مستخدما كبيرا للخط الأحمر المعروف في واشنطن باسم "مولينك"، وكان يبعث إلى موسكو بانتظام معلومات حول مهمات "أبولو" الفضائية.
وخلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، استخدم الجانبان بكثرة الخط الأحمر، وبحسب ما يتردد فإن الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد نيكسون لم يكن في وضع يسمح له يومها بالرد على طلبات الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف. وأظهرت معلومات نزعت عنها صفة السرية أن نيكسون كان في حالة سكر بسبب تلاشي رئاسته جراء ووترغيت.
وقرر مستشارو نيكسون بقيادة وزير الخارجية هنري كيسنجر يومها رفع مستوى تأهب القوات الأمريكية المسلحة.
وفي عصر لاحق استخدم الخط الأحمر لتبادل التحذيرات والتنبيهات، ففي 1979، أرسل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إلى بريجنيف ما وصفه الرئيس الأمريكي لاحقا بأنه "أكثر الرسائل حزما" في ولايته، ندد فيها بالتدخل الروسي بأفغانستان.
وفي السنة التالية، حذرت واشنطن، موسكو من "عواقب وخيمة" في حال اجتياح بولندا لقمع الحركة النقابية "سوليدارنوسك". ولم يتدخل الكرملين يومها في بولندا.
وفي العام 2008، استبدل الخط الأحمر بخدمة بريد إلكتروني تخضع لإجراءات أمنية مشددة، في 2016، استخدم الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما هذه الخدمة للاحتجاج لدى نظيره الروسي فلاديمير بوتين على تدخل موسكو المفترض في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا، قلصت واشنطن بشكل كبير روابطها الدبلوماسية مع موسكو، لكن مستشار الأمن القومي الأميركي جايك ساليفان أكد في وقت سابق أن الولايات المتحدة "قادرة على الكلام مباشرة على أعلى المستويات" مع روسيا.