اتفاق معادن جديد.. أمريكا تسعى لتعزيز نفوذها الاقتصادي في أوكرانيا

تسعى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفرض شروط جديدة على أوكرانيا تتعلق بوصول الولايات المتحدة للمعادن الحيوية وأصول الطاقة.
وتزيد هذه الخطوة من المطالب الاقتصادية لواشنطن على كييف، بالتزامن مع جهودها لدفع اتفاق سلام مع روسيا.
شروط جديدة
ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز"، اليوم الجمعة، عن مسؤولين أوكرانيين أن الشروط الجديدة المقترحة تشمل وضع محطات الطاقة النووية الأوكرانية تحت السيطرة الأمريكية، بالإضافة إلى مطالبة كييف بتقديم تفاصيل حول مالكي صندوق الاستثمار المشترك والسيطرة عليه، ويتوقع أن تمتد الاتفاقية إلى نقل أصول اقتصادية أخرى إلى ملكية الولايات المتحدة.
وأوضحت الصحيفة، أن المسؤولين الأوكرانيين يشعرون بالقلق من أن يُجبروا على الموافقة على هذه الشروط كجزء من اتفاق سياسي أوسع، خصوصًا بعد تعليق واشنطن لإمدادات الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية لكييف، ما يزيد من الضغط على الحكومة الأوكرانية.
التطورات الأخيرة
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أمس الخميس، أن صفقة استخراج المعادن الأرضية النادرة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا سيتم توقيعها قريبًا جدًا، مشيرًا إلى أن المفاوضات بين البلدين تحقق تقدمًا إيجابيًا.
وفي تصريح له من البيت الأبيض، قال ترامب: "نحرز تقدمًا جيدًا فيما يتعلق بأوكرانيا وروسيا، وأحد الأمور التي نعمل عليها هو توقيع اتفاق قريب جدًا بشأن المعادن الأرضية النادرة مع أوكرانيا".
وأضاف أن الولايات المتحدة توقع اتفاقيات في أماكن مختلفة حول العالم لاستغلال المعادن الأرضية النادرة والموارد الأخرى ذات الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية.
إلغاء المحادثات
كانت التوقعات تشير إلى توقيع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وترامب للاتفاق في أواخر فبراير/ شباط الماضي، لكن اجتماعًا في المكتب البيضاوي شهد مشادة كلامية بين الطرفين، ما دفع زيلينسكي إلى مغادرة اللقاء مبكرًا وإلغاء المحادثات.
وعلى الرغم من ذلك، أكد الجانبان استعدادهما لمواصلة المفاوضات بشأن الاتفاق، حيث أعرب زيلينسكي عن أسفه لما حدث خلال اللقاء مع ترامب.
انعكاسات الصفقة المحتملة
وتُعد المعادن الأرضية النادرة من الموارد الاستراتيجية التي تلعب دورًا حيويًا في الصناعات التكنولوجية والعسكرية، ما يجعل هذه الصفقة ذات أهمية كبرى للولايات المتحدة.
وإذا تمت الموافقة على الشروط الجديدة، فمن المحتمل أن تعزز واشنطن نفوذها الاقتصادي في أوكرانيا، في وقت تسعى فيه إلى توطيد حضورها في سوق المعادن العالمي.
لكن من جانب آخر، قد تواجه هذه التحركات مقاومة داخل أوكرانيا، خاصة في ظل مخاوف من أن تؤدي الشروط الأمريكية إلى تقويض سيادة البلاد على مواردها الطبيعية، وسط ضغوط دولية متزايدة بشأن النزاع مع روسيا.
احتياطيات ضخمة
تحتل أوكرانيا مكانة بارزة في قطاع المعادن النادرة، حيث تضم أراضيها 22 معدنًا نادرًا من أصل 30 معدنًا تستخدمها الدول الأوروبية، إلى جانب 50 معدنًا تصنفها الولايات المتحدة على أنها ذات "أهمية بالغة"، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في سوق الموارد الطبيعية، وتُقدر قيمة هذه الاحتياطيات بنحو 15 تريليون دولار.
وعلى المستوى العالمي، تأتي أوكرانيا في المرتبة الرابعة من حيث حجم احتياطيات المعادن النادرة، إلى جانب الهند والبرازيل وفيتنام، بينما تتصدر الصين القائمة بحصة تبلغ 68% من الاحتياطيات العالمية، تليها الولايات المتحدة بنسبة 12%، ثم أستراليا بـ5%.
معادن استراتيجية
تتمتع أوكرانيا بموارد معدنية هائلة، أبرزها الليثيوم، الذي يُستخدم في إنتاج البطاريات، حيث تمتلك نحو 10% من الاحتياطيات العالمية، ما يعادل 500 ألف طن، ما يجعلها صاحبة أكبر احتياطي أوروبي لهذا المعدن الحيوي.
كما تملك 90 طنًا من الزركونيوم، الذي يُستخدم في المحركات النفاثة، و2.3 ألف طن من التيتانيوم، الذي يدخل في صناعة الطائرات والصواريخ والسفن.
بالإضافة إلى ذلك، تضم الأراضي الأوكرانية كميات ضخمة من معادن أخرى، من بينها الفاناديوم، والنيوبيوم، والكادميوم، والتنتالوم، والغاليوم، والإنديوم، والسيلينيوم، والبريليوم، والإيتريوم، إلى جانب السيلينيوم والتيلوريوم والسكانديوم والغرمانيوم والهافنيوم.
ورغم هذه الثروات، فإن أوكرانيا لم تُحدّث بياناتها الرسمية حول احتياطيات المعادن منذ عام 2005، كما أن استخراجها لا يتجاوز 10% من الاحتياطيات المؤكدة، ما يجعل الاستثمار في هذا القطاع طويل الأمد لكنه يحمل فرصًا اقتصادية كبيرة.
تحديات الحرب
رغم أهمية قطاع التعدين، فإن الحرب الروسية الأوكرانية شكلت تهديدًا مباشرًا لهذه الثروات، حيث تتركز 70% من المعادن النادرة في المناطق الشرقية والجنوبية، مثل مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، اللتين تشكلان معًا إقليم دونباس، بالإضافة إلى مقاطعات زاباروجيا ودنيبروبيتروفسك.
ومع استمرار القتال، باتت روسيا تسيطر على 98% من لوغانسك، و60% من دونيتسك، ونحو 30% من زاباروجيا، بينما تشن قصفًا شبه يومي على كريفي ريه، وهي منطقة غنية بالمناجم في مقاطعة دنيبروبيتروفسك.
وفقًا للمركز الحكومي الأوكراني لأبحاث الجيولوجيا، باتت روسيا تسيطر حاليًا على 20% من ثروات أوكرانيا المعدنية، بما في ذلك منجم "شيفتشينسكي" لليثيوم في دونيتسك، الذي وقع تحت السيطرة الروسية مؤخرًا.