ترامب ومساعي السلام.. العهود تصطدم بالواقع

مساعي دونالد ترامب لتحقيق السلام تصطدم بواقع يفرض كلمة مغايرة قد تتحول لحائط صد بوجه رئيس بدأ ولايته متعهّدا بأن يكون صانع سلام.
فبعد شهرين على تولي ترامب منصب الرئاسة، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية جديدة في غزة، في حين تتواصل الهجمات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا رغم وساطته.
الجمهوريون في قبضة ترامب.. «الطاعة» أو «العزلة»
وفي 20 يناير/كانون الثاني الماضي، قال ترامب: "سيكون الإرث الذي أعتز به أكثر من أي أمر آخر هو كصانع للسلام وموحِّد".
وأشار حينذاك إلى اتفاق طرحه الرئيس السابق جو بايدن وضغط ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب، من أجل التوقيع عليه، وينص على وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس.
لكن إسرائيل استأنفت خلال الأيام الأخيرة الضربات الجوية، ما أسفر عن مقتل مئات الفلسطينيين، بحسب وزارة الصحة في غزة، كما استأنفت عملياتها البريّة.
واعتبرت وزارة الخارجية الأمريكية، أن حماس تتحمّل "المسؤولية الكاملة" بعدما رفضت مقترحا لويتكوف، وهو صديق لترامب ومبعوث خاص إلى روسيا أيضا، للانتقال نحو مرحلة ثانية من وقف إطلاق النار في غزة.
وأمر ترامب أيضا بتنفيذ ضربات عسكرية تستهدف الحوثيين في اليمن بعدما استأنفوا هجماتهم ضد سفن تجارية وعسكرية في البحر الأحمر.
«نهج متقلب»
يرى الباحث في مجموعة الأزمات الدولية، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأمريكية، بريان فينوكين، أن توصيف ترامب لنفسه على أنه صانع للسلام انطوى دائما على مبالغة، مشيرا إلى نهجه المتقلّب.
ويضيف فينوكين، في حديث لوكالة فرانس برس، أن "ترامب يحب أن يدعي الانتصارات ويسعى لنيل جائزة نوبل للسلام التي يعتبرها "واحدة من أعظم الإنجازات في حياة أي شخص".
ويشير الباحث إلى أن الرئيس الأمريكي "نسب بكل سعادة الفضل لنفسه في وقف إطلاق النار بغزة في يناير/كانون الثاني الماضي، لكنه لم يرغب في الضغط على الإسرائيليين للانتقال إلى المرحلة الثانية" للهدنة.
وأجرى مبعوث آخر لترامب أول محادثات مباشرة على الإطلاق بين الولايات المتحدة وحماس، وهي خطوة لم تكن مطروحة خلال الإدارات السابقة.
لكن ترامب دعا في الوقت نفسه إلى إخراج سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة من القطاع من أجل إعادة إعماره.
وقال فينوكين إنه "لا شيء من هذا متسّق إلى حد كبير، لكنه أيضا ليس مفاجئا جدا".
وأشار إلى ولاية ترامب الأولى عندما هدد بتدمير كوريا الشمالية قبل أن يعقد عدة قمم غير مسبوقة مع زعيمها كيم جونغ أون ويقول إنهما "وقعا في حب بعضهما بعضا".
إن أمكن
وصف مستشارو ترامب سلوكه العدائي بأنه جزء من استراتيجية يتبعها في سعيه للوصول إلى الهدف المنشود المتمثّل بتحقيق السلام.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مقابلة إذاعية الأربعاء: "كان واضحا جدا. إنه رئيس ويريد دعم السلام".
وأجرى ترامب الذي سبق أن تباهي بأنه قادر على إنهاء الحرب الأوكرانية في غضون يوم، سلسلة اتصالات هذا الأسبوع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وعبر عن تفاؤله حيال إمكانية التوصل إلى هدنة.
لكنّ روسيا أطلقت وابلا من الصواريخ والهجمات بالمسيّرات بعد ساعات على اتصال ترامب.
وتقول مديرة قسم التحليلات العسكرية لدى مركز "ديفينس بريورتيز" جينيفر كافانوغ، إن هناك ما يدعو إلى التفاؤل إزاء دبلوماسية ترامب في أوكرانيا، لكن بوتين متفوق ميدانيا ولن يقدم تنازلات بسهولة.
وتضيف أن ترامب لم يقدّم أي تنازلات لبوتين على ما يبدو رغم الانتقادات الخارجية لعلاقاته مع الرئيس الروسي والإهانات التي وجهها في وقت سابق لزيلينسكي وأثارت قلق الحلفاء الأوروبيين.
وتؤكد: "بالنسبة إلي، كانت تلك خطوة إيجابية إلى الأمام مهّدت الطريق لبناء الثقة بين أوكرانيا وروسيا وبين ترامب والحلفاء الأوروبيين الذين يشعرون بقلق بالغ حيال أسلوبه في التفاوض".
"واقع مر"
تلفت كافانوغ إلى أن الوقت لم يحن بعد "للتخلي عن الأمل" بنجاح ترامب في تحقيق السلام.
وتقول: "أعتقد أن ما رأيناه هو أن الوعود تصطدم بالواقع المر بشأن مدى صعوبة تحقيق السلام في هذه النزاعات الصعبة للغاية والمستعصية".
ويبدي سينا توسي من "مركز السياسة الدولية" تفاؤلا أقل.
ويرى الباحث أنه بالمقارنة مع ولايته الأولى، فإن مستشاري ترامب على غرار روبيو هم مجرّد شخصيات "موالية له أكثر من كونهم قوى فاعلة مستقلة"، ما يعطي الرئيس حرية أكبر بما في ذلك لاتباع سياسة حافة الهاوية.
ويتابع: "بالنسبة لترامب، لا ترتبط السياسة الخارجية باتفاقيات سلام يتم التفاوض عليها. يتعلق الأمر بالأداء والتأثير وصياغة سردية جاذبة".
ويشير توسي إلى تاريخ ترامب كمستثمر في تطوير الفنادق، قائلا إنه "يتعامل مع الدبلوماسية بالطريقة ذاتها التي تعامل من خلالها مع العقارات في كتابه "فنّ الصفقة": "يصعّد التوتر ويكثّف التهديدات إلى أقصى حد ويدفع بالوضع إلى حافة الكارثة ليتوصل إلى صفقة في اللحظة الأخيرة".
aXA6IDMuMTQuMjUzLjk5IA== جزيرة ام اند امز