الجمهوريون في قبضة ترامب.. «الطاعة» أو «العزلة»

في مشهد سياسي استثنائي، يبدو الحزب الجمهوري وكأنه تحول إلى كيان يُدار بمنطق الولاء المُطلق، تُختزل فيه القرارات في إرادة شخص واحد دونالد ترامب.
فما كان يُوصف يومًا بكونه "حزب لينكولن" بات ساحةً تُختبر فيها حدود الطاعة تحت وطأة هيمنة نفسية فريدة، تُمليها آلة ترامب السياسية المبنية على الخوف والجاذبية الكاريزمية.
فمن دعمه العلني للرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم التوترات مع موسكو، مرورًا بفرض رسوم جمركية عشوائية تهدد الاستقرار الاقتصادي، إلى مقترحات غير واقعية مثل ضم كندا أو العفو عن متهمي أحداث 6 يناير/كانون الثاني، يبدو الجمهوريون وكأنهم يسيرون في ركب ترامب دون تفكير.
هذا الانصياع يعود إلى خليط من الخوف من انتقام ترامب عبر هجمات وسائل التواصل الاجتماعي أو دعم منافسين في الانتخابات التمهيدية، وإلى اقتناع بأن فوزه الانتخابي الثاني منحه تفويضًا شبه مطلق لفرض أجندته.
الوجه الخفي: صراعات داخلية وولاء مُفروض
وراء الكواليس، يعترف العديد من الجمهوريين بتحفظاتهم على سياسات ترامب، لكنهم يفضّلون الصمت لتجنب العواقب؛ فحالات مثل السيناتور جوني إرنست التي واجهت حملة تشهير في ولاية أيوا لمجرد تشكيكها في ترشيح وزير الدفاع، أو السيناتور ثوم تيليس الذي تلقى تهديدات بالقتل بعد انتقاده ترامب، أصبحت أمثلة تحذيرية تُذكّر الجميع بثمن المعارضة.
وحتى النواب الذين يحاولون الحفاظ على استقلاليتهم، مثل توم ماسي، يواجهون تهديدات مباشرة من ترامب وحلفائه، مما يدفع الغالبية إلى تبني استراتيجيات بقاء تعتمد على تجنب المواجهة.
آليات التكيف: بين التبرير والهروب من المواجهة
يطور الجمهوريون أساليب مبتكرة للتعايش مع تناقضات الولاء لترامب. فالبعض يلجأ إلى التعبير عن آراء مُعدّلة في جلسات مغلقة دون إعلانها علنًا، في حين يتحول آخرون إلى الهجوم على الصحفيين عند مواجهتهم بأسئلة محرجة، كاتهامهم برغبة "إبقاء المجرمين في أمريكا" عند استجوابهم عن انتهاكات ترحيل المهاجرين.
يُضاف إلى ذلك تبريرات مثل تصريح السيناتور جوش هاولي بأن دعم ترامب هو "استسلام للواقع" في غياب بدائل مقنعة، أو إصرار السيناتور كيفن كرامر على أن "غريزة ترامب غالبًا ما تكون صحيحة"، رغم اعترافه بأن زملاءه يخططون سرًا لمسارات بديلة.
القوة الخفية: إعلام ماغا والضغط الرقمي
لا تقتصر هيمنة ترامب على التكتيكات السياسية التقليدية، بل تمتد إلى استغلال الذكاء الاصطناعي ومنصات التواصل الاجتماعي كأدوات قمع.
فالحسابات الإلكترونية التابعة لمؤيديه تُشن هجمات منظمة على أي صوت معارض، في حين تنشر منصات مثل "تروث سوشيال" فيديوهات مُضللة تُصوّر المنتقدين كخونة.
وتُدار أيضًا قوائم سوداء داخل الحزب لتحديد "الجمهوريين غير الموثوق بهم"، مما يخلق بيئة خوف تُجبر النواب على التوافق مع الخط العام، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن معتقداتهم.
المستقبل: شقاقات خفية وهشاشة مُحتملة
رغم السيطرة الظاهرة، تلوح في الأفق علامات تململ قد تُهدد الهيمنة الترامبية. فالنخبة الاقتصادية داخل الحزب تبدي قلقًا متزايدًا من السياسات التجارية غير المتوقعة، بينما يعبر بعض الشباب الجمهوري عن سخطه من هيمنة جيل "ماغا" على أجندة الحزب.
كما تُثير التحالفات مع أنظمة استبدادية مخاوف أمنية لدى أصحاب الخبرة في السياسة الخارجية. ومع ذلك، يبدو أن تفكك الولاء لترامب لن يحدث قريبًا، فآلية الخوف والولاء المفروض ما زالت تُجبر الجميع على الدوران في فلكه، في انتظار لحظة تحوّل قد لا تأتي إلا بصعوبة.
aXA6IDMuMTM1LjE4OC41NSA= جزيرة ام اند امز