مكالمات ترامب مع بوتين وزيلينسكي.. اختراق دبلوماسي أم استعراض سياسي؟

مكالمات هاتفية مكثفة شهدها الأسبوع الجاري، بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيريه الروسي والأوكراني، في محاولة لإنهاء الحرب بين الجارتين.
وهي الجهود الدبلوماسية الأكثر نشاطا منذ اندلاع الحرب بأوكرانيا، في فبراير/شباط 2022.
ومع ذلك، تقول شبكة "سي إن إن" الأمريكية، في تحليل لها، إن المؤشرات الأولية "لا تبعث على التفاؤل"، في ظل الموقف الروسي المشروط لقبول اقتراح ترامب بشأن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما.
زيلينسكي "سريع التعلم"
وفي حين يصور ترامب مجرد بدء الحوار على أنه انتصار، يسعى كل طرف إلى توظيف هذه الدبلوماسية لمصلحته الخاصة، مستخدما لعبة العلاقات العامة للهروب من تحمل المسؤولية في حال فشل المساعي. بحسب التحليل نفسه.
ولفتت الشبكة في تحليلها الذي طالعته "العين الإخبارية" إلى أن الإدارة الأمريكية "تحاول تصوير المحادثات على أنها تقدم ملموس، للحفاظ على فرص تطور عملية السلام، ولتعزيز صورة ترامب كرجل صفقات بارع قادر على تحقيق ذلك".
وأشارت إلى أنه على الرغم من الرفض الروسي لقبول وتطبيق مقترح وقف إطلاق النار، إلا أن الكرملين "لا يسعى إلى استعداء ترامب تماما، بل يمنحه وعودا بعلاقة استراتيجية قوية لجذبه إلى طاولة المفاوضات".
أما زيلينسكي فوصفته بأنه "سريع التعلم. لا يستطيع تحمل تكرار كارثة المكتب البيضاوي، وهو الآن يوافق بسهولة على كل ما يطلبه ترامب تقريبا".
وتتنافس كل من أوكرانيا وروسيا على جذب انتباه الرئيس ترامب، وتسعى إلى إلقاء اللوم على الأخرى في عرقلة السلام.
فبعد ليلة عنيفة، اتهم كل جانب الآخر بخرق الاتفاق الجزئي الذي توسط فيه الرئيس الأمريكي لتجنب استهداف البنية التحتية للطاقة.
وفي هذا الصدد، اعتبرت "سي إن إن" أن الخلاف بينهما حتى بشأن هذه التفاصيل البسيطة "يقوض تصريحات ترامب المتفائلة بأن اتفاق السلام أصبح في متناول اليد".
مساع أمريكية رغم العراقيل
البيت الأبيض من جهته، تجاهل علنا موقف روسيا من المقترح، مشيدا بنبرة المكالمة التي جرت بين بوتين ومع ترامب يوم الثلاثاء، ومحددا موعدا لمحادثات فنية مع الروس في السعودية خلال الأيام المقبلة.
وفي حين يمكن أن يكون خلْق وهم التقدم أمرا ضروريا لدفع الأطراف المتحاربة للبقاء في المفاوضات، إلا أن هذا التصور يبدو أيضا "وسيلة لحماية صورة الرئيس الأمريكي"، الذي سبق أن تعهد بإنهاء الحرب خلال 24 ساعة إذا تم انتخابه مجددا. بحسب "سي إن إن".
ففي المكالمة الهاتفية مع ترامب، "بدا بوتين في موقف أقوى أمام رئيس أمريكي لا يرغب في ممارسة أي ضغوط حقيقية على الكرملين".
في المقابل، خفف ترامب من حدة موقفه تجاه زيلينسكي، ربما بسبب الأسلوب الأكثر تصالحية الذي اتبعه الأخير. ووافق خلال مكالمتهما التي استمرت ساعة يوم الأربعاء على مساعدة أوكرانيا في العثور على معدات دفاع جوي حيوية في أوروبا.
وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم المساعدات العسكرية والاستخباراتية لكييف، وهو تطور مهم بالنظر إلى أن ترامب كان قد أوقف هذه المساعدات سابقا للضغط على أوكرانيا للقبول بخطته لوقف إطلاق النار.
قرارٌ أمريكي اعتبرت "سي إن إن" أنه يشكل "انتقادا ضمنيا لبوتين، الذي طالب بوقف الدعم الأمريكي لأوكرانيا كشرط لأي اتفاق سلام دائم".
بوتين لم يغيّر أهدافه
وأمام شروط روسيا لقبول الهدنة، تقول الشبكة الأمريكية إن إدارة ترامب تستعد "لاختبار صعب في التعامل مع دبلوماسية الكرملين المعقدة".
موقفٌ روسي رأت أنه "يعطي لموسكو الوقت الكافي لتعزيز موقفها العسكري، واستغلال تفوقها الميداني لإجبار القوات الأوكرانية على الانسحاب من منطقة كورسك، التي تعد واحدة من أوراق التفاوض القليلة التي تمتلكها كييف".
وفي هذا السياق، أشارت إلى أن مطالب بوتين لم تتغير في أي محادثات سلام، إذ لا يزال يشترط تغيير الحكومة الأوكرانية، ونزع سلاح كييف، وتراجع حلف الناتو عن أوروبا الشرقية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو خلال المفاوضات التي عقدت في السعودية هذا الشهر، إن الأيام المقبلة ستختبر مدى جدية موسكو في التفاوض.
وأضاف: "الأمر متروك لهم للقبول أو الرفض. إذا وافقوا، فسيكون ذلك تقدما كبيرا، وإذا رفضوا، فسنعرف حينها العقبة الحقيقية أمام السلام."
زيلينسكي يراهن على البقاء في اللعبة
لخصت وزيرة الخارجية الفنلندية، إيلينا فالتونن، الوضع الحالي بقولها: "ترامب يريد السلام. أوروبا تريد السلام. أوكرانيا تريد السلام. والطرف الوحيد المفقود هو بوتين."
رغم ذلك، يبدو أن روسيا غير مستعدة للانسحاب. فبحسب تقرير الكرملين حول المكالمة الهاتفية مع ترامب، قدّم بوتين للرئيس الأمريكي عرضا بتشكيل علاقة واسعة النطاق مع موسكو، و"هو الأمر الذي لطالما سعى إليه الرئيس الأمريكي، مما قد يجعله ينظر إلى الحرب في أوكرانيا كقضية هامشية".
وفي ظل هذه المعطيات، تقول الشبكة الأمريكية، إنه "ليس أمام زيلينسكي أي خيار سوى مجاراة اللعبة الدبلوماسية لترامب".
فبحسب مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، كانت مكالمة زيلينسكي مع ترامب "رائعة"، مما يمثل "انتصارا دبلوماسيا للرئيس الأوكراني بعد طرده من البيت الأبيض قبل أقل من ثلاثة أسابيع".
ويبدو أن زيلينسكي عدّل استراتيجيته، مقتنعا بأن السبيل الوحيد لحماية بلاده من توجهات ترامب الموالية لبوتين هو "الظهور كأكثر الأطراف التزاما بالسعي نحو السلام، وبالتالي تقديم الانتصار الدبلوماسي الذي يطمح إليه الرئيس الأمريكي".
وجاء بيان زيلينسكي عقب مكالمته مع ترامب مشبعا بالشكر والثناء، على عكس موقفه السابق الذي تسبب في المواجهة بينهما.
وأعرب عن تقديره لـ"البداية الجيدة والمثمرة للعمل المشترك"، مضيفا أن "تحقيق سلام دائم هذا العام ممكن بفضل القيادة الأمريكية والرئيس ترامب."
وبينما يسعى زيلينسكي لكسب ود البيت الأبيض، فإنه يواصل في الوقت ذاته التنسيق مع الأوروبيين، الذين يخططون لتشكيل "تحالف الراغبين" لمواصلة دعم أوكرانيا في حال انسحاب ترامب من المشهد.
وبرز ذلك في تصريحات مستشاره أندريه يرماك، الذي شدد على ضرورة تسريع انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، معتبرا أن ذلك خطوة حاسمة لتعزيز الأمن الأوروبي.