المساعدات الأمريكية الخارجية ليست مجرد مساعدات.. إنما استثمارات طويلة الأمد تعود عائداتها بشكل كبير لمصلحة الولايات المتحدة أولا.
"لا مساعدات لكل من يصوت ضدنا بشأن القدس"، تلك كانت الرسالة التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في العاصمة الأمريكية واشنطن أمس الأربعاء.
ويأتي هذا التهديد الصريح مع انعقاد جمعية عمومية طارئة بالأمم المتحدة اليوم الخميس، بناء على طلب دول عربية وإسلامية بشأن قرار ترامب المثير للجدل.
إلا أن المساعدات الأمريكية التي تقدمها الإدارة الأمريكية لتلك الدول تخدم السياسة الخارجية الأمريكية في المقام الأول، حيث تقدم مؤسسة USAID المنوطة بإرسال المساعدات الأمريكية للدول التي تحاول واشنطن كسبها "كحلفاء" لنشر تأثير سياسة واشنطن بما يخدم المصالح الأمريكية في المقام الأول.
ويشير موقع المعونة الأمريكية إلى أن المساعدات تأتي في 11 صورة، وهي التنمية الأمريكية للمجتمعات المتعثرة اقتصاديا، والزراعة والأمن الغذائي، ومجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكومة، والتجارة، والتعليم، وأبحاث إنهاء الفقر، والمناخ، والمساواة بين الجنسين، والصحة، والمياه والصرف، وأخيراً العمل في مجالات الأزمات والحروب.
إلا ان هناك مساعدات أخرى معنية بالمجالات الأحد عشر التي تقدمها مؤسسة المعونة الأمريكية أو USAID، مثل الدعم العسكري وتوفير التدريب المهني على المعدات، إضافة إلى التدريبات المشتركة التي تقوم بها القوات الأمريكية مع الدول التي تتلقى مساعدات واشنطن.
لكن في الوقت ذاته، تقوم المساعدات بدور مهم ومحوري بالنسبة لواشنطن في حماية مصالحها بمنطقة الشرق الأوسط، ويشرح تقرير لمعهد بروكينجز للأبحاث بعنوان "الدعم الأمريكي: حقيقة ألعاب السياسة الخارجية الأمريكية" أن تلك المساعدات ساهمت في خلق أكثر من 700 ألف وظيفة للمواطنين الأمريكيين خلال 2016 فقط.
وفيما يخص الاستفادة التي تكسبها واشنطن من تلك المساعدات، ذكر التقرير عدة أوجه لتلك الفوائد، أبرزها أن تلك المساعدات تعمل على ضخ الكثير من الاستثمارات الأمريكية في أسواق عالمية، إضافة الى الحصول على مميزات عديدة بالنسبة للاتفاقية التجارية والدفع بالدول التي تتلقى المساعدات لتبني الأجندة الأمريكية في الدفاع عن مصالحها في المنطقة.
"الحرب على الإرهاب" هي أيضاً إحدى الفوائد التي تعود على واشنطن من المساعدات، حيث تعزز تلك المساعدات التعاون الأمني والاستخباراتي في مكافحة الإرهاب، والحصول على معلومات تسهم في حماية الأمن القومي الأمريكي، داخل أمريكا وخارجها، من هجمات إرهابية محتملة.
وبحسب موقع المعونة الأمريكية، قامت واشنطن بتقديم أكثر من 18.9 مليار دولار أمريكي خلال 2016 فقط كمعونات مختلفة لدول العالم الثالث، إلا أن نصيب الشرق الأوسط وحده خلال العقود الستة الماضية من المساعدات وصل إلى 300 مليار دولار.
وتعد مصر أحد أكبر المتلقين للمعونة الأمريكية، والتي تصل إلى أكثر من 1.5 مليار دولار سنويا، إلا أن السياسات الأمريكية في المنطقة الداعمة لإسرائيل جعلت المساعدات التي تصل إلى تل أبيب تتخطى حاجز 3.8 مليار دولار أمريكي أي الضعف بحسب إحصاءات موقع المعونة الأمريكية الرسمي لميزانية عام 2016.
العائدات على تلك المساعدات، التي هي في حقيقة الأمر استثمارات أمريكية، وصلت إلى 114 مليار دولار خلال 2016 بحسب الموقف الرسمي للمعونة الأمريكية، مما يعني أن واشنطن لا تنفق سنتا إلا إذا كانت تستطيع ان تعيده أضعافاً بحسب ما أشار اليه تقرير معهد بروكينجز.
لكن العائد المادي ليس فقط المكسب الذي تفوز به واشنطن من تلك المساعدات، حيث تعد المساعدات ذاتها أحد أدوات السياسة الخارجية الأمريكية، حيث ظهر ذلك جلياً في سياسات الرئيس الأمريكي باراك أوباما الخارجية، والتي تحولت من دعم البنية التحتية والصحة والتعليم إلى دعم مباشر وغير مسبوق لمنظمات المجتمع المدني التي أسهمت بشكل مباشر في الاضطرابات التي حدثت في الشرق الأوسط في الفترة بين 2011 و2013.
وبحسب مجلة فورين بوليسي، فإن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هي من كانت تباشر ميزانيات الدعم المختلفة للدول في الشرق الأوسط، وذلك في محاولة للضغط على حكومات دول معينة للانصياع للمطالب الأمريكية، إلا أن تلك السياسات فشلت بشكل ذريع بسبب اندلاع الاحتجاجات نتيجة نشاط متزايد لمنظمات الحقوق المدنية في دول المنطقة.
ويشير بعض المراقبين الى أن الخاسر الأول لقطع المعونات هي الإدارة الأمريكية نفسها، حيث أثبتت الأرقام التي نشرها موقع المعونة الأمريكي الرسمي، إضافة الى العوائد المهولة للمعونات، أو "الاستثمارات" بمعنى أدق، على الاقتصاد الأمريكي، وتقليل تأثيرها السياسي والاستراتيجي في المنطقة، خصوصاً بعد دخول اللاعب الروسي الى معادلة الشرق الأوسط بشكل فعال.
جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي ترامب قام بتخفيض ميزانية المعونات الأمريكية بنسبة 28% لعام 2018 لتصل الى 10.1 مليار دولار مقارنة بـ 18.9 مليار دولار أمريكي في العام الحالي.