لقاح كورونا الأسرع إنجازا في التاريخ.. من عقد إلى 10 أشهر
تطوير أي لقاح يستغرق عادة أكثر من 10 سنوات بتكلفة تتراوح بين 500 مليون دولار و1.2 مليار دولار وتتمتع بفرصة 6% فقط للوصول إلى السوق
حطم لقاح "كوفيد-19" جميع الأرقام القياسية لعمليات اكتشاف الأمصال الآمنة ضد الأمراض والأوبئة المختلفة، والتي عادة تستغرق عقدا من الزمن أو أكثر، بعد التوصل لأكثر من 5 لقاحات بنسب فاعلية تخطت 90% وفي غضون 10 أشهر فقط.
وأشعلت الجائحة، التي تفشت مطلع 2020 وأودت بحياة أكثر من مليون شخص، سباقا عالميا لإيجاد لقاح فاعل وآمن في أسرع وقت، لتبدأ عملية واسعة النطاق لابتكار وتصنيع مصل مضاد للفيروس بمشاركة عشرات العلماء وشركات الأدوية.
ووفقا للاتحاد الدولي لمصنعي وجمعيات المستحضرات الصيدلانية (IFPMA)، يستغرق تطوير لقاح عادة أكثر من 10 سنوات بتكلفة نموذجية تتراوح بين 500 مليون دولار و1.2 مليار دولار، وتتمتع تلك اللقاحات عموما بفرصة 6% فقط للوصول إلى السوق.
أقرب لقاح لـ"كوفيد-19" من حيث الوقت المستغرق كان مصل النكاف، التي تطلب ابتكاره نحو 4 سنوات فقط، وحصل على الترخيص في عام 1967.
سرعة قياسية
اتحاد مصنعي الأدوية واللقاحات أثنى على عملية التطوير الفريدة لاكتشاف مصل يكبح تفشي "كوفيد-19"، معتبرا أن سرعة الإنجاز أحد أسبابها الخبرة المكتسبة على مدى عقود لتطوير حلول للأمراض المعدية والأوبئة الخطيرة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والسارس والإيبولا والإنفلونزا.
أيضا من ضمن أسباب النجاح تضافر الجهود الدولية وعمل الاتحاد وشركات الأدوية مع السلطات الصحية والمنظمين لتقديم الأدوية واللقاحات والتشخيصات الآمنة والفعالة للمرضى بسرعة كبيرة.
وعلق رئيس الاتحاد David Ricks: "حققنا تقدما كبيرا في البحث عن لقاحات جديدة لاحتواء الجائحة. مستمرون في التعاون عبر صناعة الأدوية البيولوجية والأوساط الأكاديمية والتكنولوجيا الحيوية لتسريع البحث وتطوير لقاحات بسرعة قياسية".
التمويل السخي أحد عوامل إنجاز لقاح سريع. ووفقا لمنظمة أطباء بلا حدود (MSF)، ضخت الحكومات والمنظمات العامة أكثر من 12 مليار دولار من تمويل التنمية والتصنيع إلى الشركات الستة الأوائل في العالم الغربي.
وفي حين أن شركة فايزر لم تحصل على أي تمويل بحثي من الحكومة الأمريكية، فإن شريكتها الألمانية حصلت على 475 مليون يورو من الحكومة الألمانية وبنك الاستثمار الأوروبي.
وكشف اتحاد "جافي" الدولي عن جمع أكثر من ملياري دولار من الحكومات ومؤسسات دولية لتمويل لقاحات "كوفيد-19" للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، مع العلم أنها لا تزال بحاجة إلى 5 مليارات دولار إضافية على الأقل العام المقبل.
وفي ظل هذه الجهود الجبارة، يأمل الخبراء أن يستغرق الأمر بين 12 إلى 18 شهرا فقط لإتاحة اللقاح وتطعيم نسب كبيرة من سكان العالم.
أمان اللقاحات
فرض الوقت القصير المستغرق لابتكار لقاح كورونا طرح سؤالا يتعلق بأمان المصل الجديد، فعادة تتخطى أغلب اللقاحات أكثر من عقد للتوصل لمنتج فاعل وآمن، فهل هذه اللقاحات آمنة؟
هناك أكثر من 5 لقاحات أعلن مبتكروها عن نسبة فاعليتها ودرجة أمانها، ورغم ذلك لا يمكن الجزم بصحة ما أعلن، إذ لم تنشر الشركات القائمة على الأمصال المبتكرة بيانات الأمان الكاملة في أي من الدوريات العلمية المعتمدة حتى الآن.
لكن الخبراء يؤكدون أن اللقاحات المرشحة تم اختبارها للتأكد من سلامتها وفعاليتها في تجارب دولية كبيرة، وأنه يمكن الوثوق بمنظمي الأدوية.
كيت إلدر، كبيرة مستشاري سياسات اللقاحات في منظمة أطباء بلا حدود، قالت: "يمكننا الوثوق بهذه السلطات التنظيمية الصارمة لإكمال الفحوصات والتوازنات اللازمة لضمان السلامة".
في المقابل، لم يتم الإبلاغ عن مخاوف خطيرة تتعلق بالسلامة والأمان في التجارب السريرية المعلن عنها، إذ تخضع اللقاحات المبتكرة لـ3 مراحل من التجارب قبل إعلان درجة آمانها على البشر.
ليس ذلك فحسب، فطبقا لأخلاقيات وأسس البحث العلمي على مستوى العالم تمنع تجريب اللقاحات على البشر، وعند التأكد من أمانها واستخدامها تستمر المراقبة المكثفة للسلامة لفترة من الوقت.
ووفقا لما ذكرته المجلات الطبية بشأن الآثار المحتملة للقاحات المعلن عن نتائجها، فإنها تظل في دائرة الأمان وتشمل أغلبها ألم في منطقة الحقن وتعب عام وحمى وبعضها يسبب صداعا وألما في العضلات.
الأمصال الحالية
حتى 2 ديسمبر/كانون الأول 2020، أبلغت منظمة الصحة العالمية عن 51 لقاحا مرشحا في التقييم السريري و163 لقاحًا مرشحًا في التقييم قبل السريري، فضلا عن أكثر من 10 لقاحات في آخر مراحل التجارب السريرية.
بالنسبة للقاحات كورونا المعلن عنها، نجحت شركات فايزر/بيونتك، وموديرنا، وأسترازينيكا/أكسفورد، في تطوير أمصال آمنة بنسب فاعلية تخطت 90% في أقل من 10 أشهر.
كما أن لقاحات من شركتي "جونسون آند جونسون" و"نوفافاكس" الأمريكيتين في مراحلها الأخيرة من التجارب السريرية، وكذلك لقاح "سبوتنيك" الروسي وآخر من شركة "سينوفاك" الصينية للتكنولوجيا الحيوية.
أيضا تتعاون شركتا Sanofi Pasteur الفرنسية وGSK البريطانية، أكبر شركة لتصنيع اللقاحات في العالم من حيث المبيعات، في تطوير لقاح من المتوقع أن يكون جاهزا خلال الصيف.
العامل الأساسي في نجاح هذه الشركات هو امتلاك علمائها القدرة على بدء عملهم قبل ظهور أول حالة معروفة من فيروس كورونا في الولايات المتحدة، باستخدام الجينوم الفيروسي المشترك عبر الإنترنت كقالب.
اللقاحات المبتكرة تستخدم طريقة تعتمد على تقنية mRNA، حيث يتم حقن جزء من المادة الوراثية من فيروس كورونا في الجسم، ما يؤدي إلى إنتاج الخلايا البشرية لما يسمى "بروتين سبايك"، الذي بدوره يؤدي إلى استجابة مناعية.
قالت إميلي فيلد، رئيسة الأبحاث الصيدلانية الأوروبية في بنك باركليز، إن صناعة الأدوية كانت لها السبق بعد وبائي سارس 2003 وميرس 2012، (كلاهما ناجم عن فيروسات كورونا)، وكانت تعمل بالفعل على تقنيات mRNA، والتي يمكن تكييفها مع مختلف الفيروسات.
تبدأ عملية تلقيح لأمصال كورونا بعدد من الدول خلال ديسمبر/كانون الأول الجاري، على رأسها بريطانيا، ومن المتوقع أن توزيع اللقاح سيتم على مراحل حسب الأكثر احتياجا.
ويقبع العاملون في مجال الرعاية الصحية على رأس القائمة المرشحة في أغلب الدول، يليهم أصحاب الأمراض المزمنة وذوي الظروف الصحية الأساسية وكبار السن والحوامل، ثم العاملون الأساسيون والمعلمون والأشخاص في ملاجئ المشردين، وأخيرا الأطفال والشباب.
aXA6IDMuMTM1LjE4NC4yNyA= جزيرة ام اند امز