لقاحات كورونا تعيد "مناعة القطيع" للواجهة.. كيف تحدث؟
بعد أشهر من تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بدأ يتردد مصطلح "مناعة القطيع" في الأوساط العلمية العالمية.
وتبرز أهمية "مناعة القطيع" باعتبارها حيلة قد تساعد في القضاء على الفيروس التاجي دون الحاجة للإغلاق العام الذي لجأت دول كثيرة لتفعيله. لكن كيف يحدث؟.
"مناعة القطيع" استراتيجية تستند إلى ممارسة الحياة بشكل طبيعي، بحيث يصاب معظم أفراد المجتمع بالفيروس، وبالتالي تتعرف أجهزتهم المناعية عليه، ومن ثم تحاربه إذا ما حاول مهاجمتها مرة أخرى.
وهذه الاستراتيجية تبناها عدد من أبرز علماء الأوبئة في العالم، أشهرهم أندريس تينجيل عالم الأوبئة السويدي، الذي ساند حكومة ستوكهولم بعد رفضها سياسة الإغلاق التام أبريل الماضي، وقال إن سكان العاصمة، مركز تفشي كورونا، سيحصلون على مناعة ضده في وقت مبكر من مايو.
لكن مهندس الاستراتيجية السويدية تراجع عن موقفه في نوفمبر، وقال إن الأدلة على مساعدة مناعة القطيع ستوكهولم في مكافحة كورونا قليلة، واعترف أن هذه القضية صعبة، ولا توجد أي علامات على وجود مناعة بين السكان تعمل على إبطاء العدوى حاليا.
مناعة الأمصال
الدكتور أمجد الحداد، استشاري الحساسية والمناعة في مصر، قال إنه لا بد من التفرقة بين مناعة القطيع التي تتحقق عبر التطعيم باللقاحات المضادة للفيروس، والأخرى التي تحدث نتيجة اختلاط الأشخاص الأصحاء بالمصابين.
وأضاف الحداد لـ"العين الإخبارية" أن مناعة القطيع التي تتحقق عبر فتح المجتمع واختلاط الأصحاء بالمصابين ذات عامل خطورة، موضحا أنها تعطي المناعة فعلا لكنها قد تؤدي إلى وفيات، خاصة في فئة كبار السن وأصحاب المناعة الضعيفة.
وأوضح الطبيب المختص أن الطريقة الثانية تتكون فيها مناعة القطيع عبر اللقاحات، وتعد خيارا آمنا، إذ تعمل الأمصال على تكوين أجسام مضادة تقاوم الفيروس وتعطي المناعة دون وفيات.
وتابع: "في هذه الحالة تخضع الجهات الصحية في كل دولة 60% من مواطنيها للتطعيم بأمصال مضادة للفيروس، وهؤلاء يعطون حماية لباقي أفراد المجتمع".
مناعة دائمة
أشار الحداد إلى أن أيا كانت الطريقة فهي تدور حول كيفية اكتساب المجتمع المناعة ضد الفيروس، وهذا يفتح الباب للتساؤل: هل تعطي هذه التطعيمات المناعة الدائمة أم لا؟.
وأوضح أن هناك أمصالا لا تعطي المناعة الدائمة مثل لقاحات الإنفلونزا التي تتجدد سنويا نتيجة تحور الفيروس، مضيفا: "ليس هذا فقط، إذا لم يحصل الشخص على اللقاح في عام فقد يصاب بالمرض مرتين أو 3 ما يعني أن الإصابة بالفيروس أو التطعيم ضده لا تعطي الإنسان المناعة الدائمة".
وقال: "الإنفلونزا مثل كورونا وبالتالي حتى لو اكسبت المجتمع مناعة القطيع ضد فيروس (كوفيد-19) فستكون أيضا وقتية، ويجب تجديدها سنويا مع تحور الفيروس كل عام".
وتوقع استشاري المناعة أن تصبح أمصال "كوفيد-19" كلقاحات الإنفلونزا تطرح منها نسخ متطورة كل عام؛ طبقا لما يطرأ من تحور على الفيروس.
وأضاف: "رغم أنه خيار غير مضمون فإننا سنضطر للاعتماد عليه. وعندما يكتسب المجتمع مناعة القطيع سيأتي العام التالي ويكون الفيروس أضعف"، مشيرا إلى قاعدة علمية تقول "كلما تزداد الفيروسات انتشار تزداد ضعفا".
وتابع: "من المفترض أن تتحور الفيروسات للأضعف وليس الأشد، لكن كورونا ليس له كتالوج في سلوكه حتى الآن، لكن نأمل أن يتحور مع الأيام لنسخ أضعف مع العلم أنه لن يختفي".
وأكمل: "عندما يتحور كورونا للأضعف يصبح مثل مجموعة الفيروسات التاجية التي تصيب الجهاز التنفسي، ونتوقع أن يتجه لهذا الاتجاه مع زيادة مناعة الإنسان ضده".
تحذيرات أممية
تصدرت منظمة الصحة العالمية قائمة الجهات والمسؤولين الذين حذروا من الاعتماد على "مناعة القطيع" دون وجود لقاحات فعلية تقي الغالبية من فيروس "كوفيد-19".
واعتبر الدكتور تيدروس جيبريسوس، المدير العام للمنظمة، دعوات في بعض الدول للسماح بتفشي الفيروس لاكتساب مناعة القطيع بالأمر "غير الأخلاقي"، موضحا أن الأمر يتطلب في البداية "كبح التفشي".
وقال المسؤول الأممي: "مناعة القطيع هي مفهوم يستخدم للقاحات، يمكن من خلاله حماية شعوب من فيروس معيّن إذا تم التوصل إلى العتبة المطلوبة للتلقيح، مثل ما حدث مع مرض الحصبة أو شلل الأطفال".
وأضاف: "عند تلقيح 95% من شعب معيّن ضد فيروس الحصبة، تعتبر نسبة 5% المتبقية محمية من تفشي الفيروس، أو تلقيح 80% من المواطنين ضد شلل الأطفال يصبح باقي الشعب محميا، وهكذا".
وشدد على أن التوصّل إلى مناعة القطيع يتم من طريق حماية الشعوب من فيروس ما، وليس بتعريضهم له، مضيفا أنها "لم تستخدم في تاريخ الصحة العامة استراتيجية في التصدي لتفشي فيروس ما، فكيف عند التصدي لجائحة!".
متى يصل العالم لـ"مناعة القطيع"؟
بنك "سيتي ريسيرش" الاقتصادي Citi Research طرح هذا التساؤل في أحدث تقاريره، متوقعا أن يؤدي التطعيم ضد "كوفيد-19" إلى اكتساب مناعة القطيع بدءا من الربع الأخير من عام 2021.
وأضاف أن الاقتصادات المتقدمة، التي حصل الكثير منها على طلبات مسبقة للقاحات، ستختبر أولاً الفوائد الاقتصادية لمناعة القطيع.
وقال: "الفوائد الاقتصادية للتطعيم قد لا تظهر حتى أواخر عام 2021 عندما تبدأ مناعة القطيع في التكون".
اعتمد التقرير، الذي كتبه خبراء الاقتصاد في Citi، على ورقة في المجلة الأمريكية للطب الوقائي تحاكي الانخفاض المئوي في حالات "كوفيد-19" اليومية في ظل سيناريوهات مختلفة لفعالية اللقاح وتغطيته.
وتحدث عن فعالية اللقاح اللازمة لمنع انتشار الوباء أو إيقافه كتدخل منفرد، معتبرا أن اللقاحات يجب أن تكون فعالة بنسبة 70% على الأقل للوقاية من الوباء، و80% على الأقل للقضاء إلى حد كبير على الوباء دون أي تدابير أخرى.
ووفقا للتقرير، فإن الاقتصادات المتقدمة الرئيسية يمكن أن تبدأ في توزيع اللقاحات على نطاق أوسع في الربع الثاني أو الثالث من العام المقبل، وتشكيل مناعة للقطيع بحلول الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021.
aXA6IDEzLjU4LjIwNy4xOTYg جزيرة ام اند امز