جلسات مغلقة في الفاتيكان: الكرادلة يحددون مستقبل الكنيسة الكاثوليكية

بدأ الكرادلة المجتمعون في كنيسة السيستين داخل الفاتيكان جلساتهم المغلقة لاختيار البابا الجديد، في وقت لا يزال فيه اسم البابا فرنسيس يتردد في كل كلمة وموقف، بعد أكثر من أسبوعين على وفاته.
القرار المرتقب لا يقتصر فقط على اختيار خليفة على رأس الكنيسة الكاثوليكية، بل يمثل استفتاء ضمنياً على المسار الذي اختطه فرنسيس خلال اثني عشر عاماً من توليه السدة البابوية، حيث أحدث تغييرات واسعة طالت البنية الإدارية والمواقف العامة للكنيسة، وفتحت المجال أمام رؤى غير مألوفة في الفاتيكان.
جلسات مغلقة لاختيار البابا الجديد
عبّر عدد من الكرادلة في خطبهم واجتماعاتهم الخاصة عن مواقف متباينة: البعض يطمح لاختيار من يكمل خطى فرنسيس، والبعض الآخر يرى أن الوقت قد حان للعودة إلى نمط تقليدي مختلف. الكاردينال أندرس أوبوريليوس من السويد، الذي ورد اسمه بين المرشحين المحتملين، قال: "هناك رغبات متباينة داخل المجموعة. بعضهم يريد بابا يواصل ما بدأه فرنسيس، وآخرون يعارضون ذلك تماماً".
على مدى سنواته في المنصب، حظي فرنسيس باهتمام عالمي واسع، إذ أعلن مواقف بارزة بشأن قضايا شائكة، منها السماح بمباركة الأزواج من نفس الجنس، ورفضه إطلاق الأحكام على الكهنة المثليين، فضلاً عن مناصرته لقضايا المهاجرين، وتحذيراته المستمرة من تغير المناخ، وانتقاده لهيمنة رأس المال وتهميش الفقراء.
كما وسّع مجمع الكرادلة ليشمل دولاً بعيدة عن المركز الأوروبي التقليدي للفاتيكان، وأدخل وجوهاً من مناطق يشكل فيها الكاثوليك أقليات. وقد أبرم اتفاقاً مع الحكومة الصينية بهدف تعزيز حضور الكنيسة هناك، رغم الانتقادات التي طالت هذا التوجه واعتبرته مساساً باستقلالية الكنيسة في الصين.
داخلياً، فتح الباب لمشاركة النساء والعلمانيين في الاجتماعات الأسقفية، وأطلق إصلاحات مالية وهيكلية في الإدارة البابوية، وسن قوانين لتعزيز الشفافية ومحاسبة رجال الدين المتورطين في قضايا الاعتداءات الجنسية أو التستر عليها.
رغم ذلك، فإن أكثر القضايا حساسية بقيت معلقة، مثل إمكانية ترسيم النساء شمّاسات، والسماح بزواج الكهنة، وتخفيف القيود حول الطلاق ومنع الحمل. ويبدو أن اختيار البابا الجديد سيكون مؤشراً على موقف الكنيسة من هذه الملفات العالقة.
تباين في مواقف الكرادلة حول مستقبل الكنيسة
البعض يرى أن البابا المقبل يجب أن يكون منفتحاً على العالم كما كان فرنسيس، لا سيما في ظل تراجع الاهتمام بالقضايا الاجتماعية من قبل قادة عالميين. لكن هذه الشعبية خارج الكنيسة كانت في كثير من الأحيان محل انتقاد داخلي، حيث قال الكاردينال كاميلو رويني، أحد رموز الحرس القديم: "ثمة حاجة لإعادة الكنيسة إلى الكاثوليك"، مشيراً إلى أن المؤيدين لفرنسيس في الغالب من غير المتدينين، بينما يعارضه الملتزمون.
في المقابل، حذر الكاردينال بالداساري راينا في صحيفة "نيويورك تايمز" من التراجع قائلاً: "ليس هذا وقت التراجع بدافع الحنين"، معبّراً عن دعم واسع بين الكرادلة الجدد الذين عينهم فرنسيس، والذين يشكلون نحو 80% من المصوتين.
لكن حتى مع اختيار شخصية تتابع ما بدأه فرنسيس، فإن النتائج قد تختلف، وفق ما أشار إليه المطران بول غالاغر، وزير خارجية الفاتيكان: "لن يكون هناك استمرار خطي، فلكل بابا رؤاه وتركيزاته الخاصة".
ويذهب بعض المراقبين إلى أن التوازنات المعقدة قد تفرز شخصية وسطية، تجمع بين انفتاح فرنسيس وحذر الإدارات التقليدية، وربما تفتقر للكاريزما لكن تمتلك قدرة على الإدارة الهادئة. ويرى القس توماس ريس، أحد المحللين المخضرمين، أن المشكلة ليست في شخصية البابا وحدها، بل في مدى انعكاس رؤاه على الرعايا في مختلف أنحاء العالم: "أحب الناس فرنسيس، لكنهم لم يجدوه في كنائسهم المحلية".
مع بدء التصويت، تتجه الأنظار إلى ما إذا كان الكرادلة سيختارون بابا يواصل خط فرنسيس، أم من يعيد عقارب الكنيسة إلى نمط أكثر تحفظاً. في كل الأحوال، البابا الجديد لن يكون نسخة عن سلفه، بل سيشكل رؤيته الخاصة للكنيسة الكاثوليكية في زمن يتغير بسرعة.
aXA6IDMuMTIuMTYyLjQwIA== جزيرة ام اند امز