مقاهي فيينا شاهدة على تاريخ المشاهير.. بينهم بيتهوفن وإليزابيث تايلور
البروتوكول الملكي يلزم ضيوف الإمبراطور الذي يأكل سريعا بمغادرة المقهى حالما ينتهي من طعامه، وكان ضيوفه يغادرون قبل الانتهاء من وجباتهم
كان عدد المقاهي في فيينا يُقدّر بالآلاف عام 1938، ولم يبق منها اليوم سوى 550 مقهى، والمقاهي التقليدية تُعد من أبرز العناصر التي تتشكل منها الهوية الاجتماعية والتاريخية للعاصمة النمساوية، والتي نادراً ما يتوقف عندها السياح الذين يتوافدون عليها بالملايين كل عام.
كتابة تاريخ فيينا تستدعي الرجوع إلى تاريخ مقاهيها، ويتعذر الوصول إلى الشخصية الفييناوية دون المرور على تلك الأماكن التي تعد بمثابة البيت الثاني لأبناء عاصمة إحدى أكبر الإمبراطوريات الأوروبية وأعرقها.
هذه المقاهي هي أفضل دليل لزائر فيينا لمعرفة الأحداث التاريخية والطرائف والشخصيات الكبيرة التي مرت على المدينة، التي لا تزال تتصدر منذ قرون حواضر العالم، سواء من حيث نوعية الحياة فيها أو عدد السياح الذين يزورونها.
مقاهي فيينا ليست الأفضل في أوروبا فحسب، بل هي نمط أساسي وطقس راسخ في حياة أهل المدينة، تجمع بين الملتقى ومطعم للوجبات الخفيفة وخلوة من ينشد الوحدة بين الآخرين أو حتى الذين يقضون ساعات في المطالعة وقراءة الصحف اليومية على وقع موسيقى البيانو في أجواء من السكينة باتت ترفاً نادراً في عالم اليوم.
ومن أشهر رواد هذه المقاهي الموسيقار الألماني الراحل بيتهوفن الذي كان يعدها المكان المفضل لديه، وهو الذي تنقل بين 9 بيوت في فيينا لكثرة ما كان يتشاجر مع أصحابها بسبب طباعه الصعبة، وكان معروفاً عنه إدمان تناول القهوة التي كان يصر على استخدام 60 حبة بن بكل فنجان، علماً أن المألوف هو 30 حبة.
أما المقهى المفضل لديه فكان "شوارزنبرج" الفسيح بمراياه البلورية المصقولة ومقاعده الجلدية وخشب طاولاته النبيل الذي وضع عليه صاحب السمفونية الـ9 كثيرا من روائعه الموسيقية. ولا يزال من يعمل في هذه المقاهي يرتدون ملابسهم الأنيقة وكأنهم أنهوا لتوهم حفلا في دار الأوبرا، وبهذا الملابس يقدمون القهوة الشهيرة والفطور النمساوي التقليدي الذي كان محبباً عند بيتهوفن.
بطل العالم النمساوي في سباق السيارات السريعة، نيكي لاودا، كان من رواد مقهى فندق إمبريال الشهير الذي يعود إلى منتصف القرن الـ19، وكان يتناول طعام فطوره على المائدة نفسها التي كان يجلس خلفها الإمبراطور فرانز جوزيف لتناول فطوره.
ويتردد على هذا المقهى اليوم كبار الموسيقيين في فرقة الفيلهارمونيكا النمساوية لقربه من دار الأوبرا.
ومن المقاهي الأخرى الشهيرة "ديميل"، الذي كان أيضاً حلواني العائلة الإمبراطورية ولا يزال يقدم حلوياته وسكاكره الفاخرة ذائعة الصيت والمصنوعة وفقاً للطريقة نفسها التي كان يحضر بها حلوى الإمبراطور وضيوفه الذين كانوا غالباً ما يرافقونه إلى المقهى الذي يقع على مدخل القصر.
ويُحكى أن البروتوكول الملكي كان يلزم ضيوف الإمبراطور بمغادرة المقهى حالما ينتهي هو من طعامه، وبما أنه كان معروفاً عنه سرعته في تناول الطعام، كان ضيوفه يضطرون للمغادرة قبل الانتهاء من تناول وجباتهم.
ومن معالم المدينة التاريخية المقهى المركزي الذي يعود بناؤه لعام 1855 ليكون المقر الرئيسي للمصرف المركزي للإمبراطورية النمساوية المجرية قبل أن يتحول إلى مقهى، وكان مسرحاً لمشاهد سينمائية كثيرة، وأعيد ترميمه في عام 1980.
هذا المقهى الشهير كان تروتسكي يلعب فيه الشطرنج مع رفاقه ويخططون للثورة البلشيفية، وحول إحدى موائده دارت مشادة حامية بين العاشقين الكبيرين إليزابيث تايلور وريتشارد بورتون في ليلة حالكة من ليالي فيينا الباردة كما يتذكر كريستيان الذي التحق يومها بالخدمة في المقهى.
شوبيرت أيضا وضع معظم رباعياته في مقهى بوجنير، بينما كان براهمز يستسلم لقيلولته المعتادة على مقاعد مقهى هاينريشهوف الوثيرة.
لاندتمان كان المقهى المفضل عند سيجموند فرويد الذي غالباً ما كان يتردد عليه وحيداً لتناول العشاء بعد الخروج من عيادته.
أما مقهى سبيرل الجميل فكان ملتقى الرسام كليمت مع أصدقائه وخليلاته، ويتردد عليه اليوم الفنانون والمخرجون السينمائيون والمسرحيون، خاصة بعد انتهاء عروض المسرح والسينما.
مقهى هافلكا رغم أنه يخرج كلياً عن نسق المقاهي التقليدية الأنيقة في العاصمة النمساوية، فهو مقهى شعبي جداً، وبتقدير البعض الأقدم على الإطلاق، يرتاده الشباب والبوهيميون وكان في بدايات القرن الماضي ملتقى أعضاء الحركات والتنظيمات الثورية والفوضوية.
aXA6IDMuMTM3LjE4MS42OSA= جزيرة ام اند امز