فيروسات من خارج الأرض.. هل اقترب الخطر الكوني؟

مؤخرا، ومع تزايد المهمات الفضائية عاد للظهور سؤال كان خياليا، لكنه بدأ يأخذ طابعا جادا: هل يمكن لفيروس فضائي أن يصيب البشر؟
رغم عدم وجود دليل حاسم حتى الآن على وجود حياة ميكروبية أو فيروسية خارج كوكب الأرض، فإن بعض الأبحاث الحديثة بدأت تتعامل مع هذا السؤال بصيغة افتراضية مبنية على منطق علمي.
ووفق دراسة منشورة عام 2022 في قاعدة بيانات " PubMed Central" تحت عنوان "علم الفيروسات الفلكي: الفيروسات في علم الأحياء الفلكي" ، تشير إلى أن الفيروسات رغم كونها أبسط الكيانات البيولوجية على كوكب الأرض، لم تحظَ بالاهتمام الكافي في أبحاث الحياة خارج الأرض، على الرغم من قدرتها المؤكدة على البقاء في ظروف بيئية قاسية، كالحرارة العالية والإشعاع والجفاف. وهذه الخصائص تجعل من الفيروسات مرشحا محتملا للبقاء على قيد الحياة أثناء التنقل بين الأجرام السماوية.
وفي سياق آخر، هناك فرضية علمية تعرف باسم " نقل الفيروسات عبر الصخور الفضائية إلى الأرض "Virolithopanspermia ، تفترض أن الفيروسات قد تنتقل بين الكواكب مختبئة داخل الصخور النيزكية.
واستعرضت دراسة نشرت حديثًا في" مجلة علم الأحياء الفلكي والتواصل العلمي"، استعرضت هذه الفرضية، والمبنية على أن الفيروسات قادرة نظريا على تحمل صدمة الإطلاق من كوكب، والبرد القارس في الفضاء، والهبوط على سطح جديد، وهي ظروف سبق لبعض الكائنات المجهرية الأرضية أن أثبتت تحملها في تجارب معملية، وهذا يعيد طرح التساؤل القديم حول مدى احتمالية وجود حياة ميكروبية نشأت خارج كوكب الأرض ثم وصلت إلينا أو العكس.
قلق مشروع
ومن ناحية أخرى، تشير ورقة علمية نُشرت عام 2024 على موقع "سايتك ديلي"، إلى أن جهاز المناعة البشري، الذي تطور ليتعرف على أنماط محددة من الكائنات الممرضة على الأرض، قد لا يتعامل بكفاءة مع أي شكل من أشكال الحياة الميكروبية الفضائية، إن وُجدت، وهذا يفتح بابا جديدا للقلق المشروع، وهو أن أي فيروس فضائي قد ينجح في تجاوز آليات الدفاع البشري لأنه ببساطة غير مُصمم لمواجهته.
وتجدر الإشارة إلى أن وكالات الفضاء الكبرى، وعلى رأسها وكالة "ناسا"، تتخذ هذه الفرضيات على محمل الجد، رغم كونها نظرية حتى الآن، ولهذا تم تطوير بروتوكولات مشددة ضمن ما يُعرف بـ"حماية الكواكب"، تشمل تعقيم المركبات الفضائية، وحصر المواد العائدة من الفضاء في بيئات معقمة، ومراقبتها لفترات طويلة قبل التعامل معها خارج المختبرات. وهذه الإجراءات لا تستهدف فقط حماية كوكب الأرض من ميكروبات فضائية مفترضة، بل تهدف أيضا إلى حماية البيئات الأخرى من التلوث الأرضي، في حال وُجدت فيها حياة أصلية.
وإذا أردنا أن نبحث عن أمثلة مشابهة داخل كوكب الأرض لفهم كيفية تصرف فيروسات قديمة أو مجهولة، يمكننا الإشارة إلى الدراسات الحديثة حول الفيروسات القديمة التي اكتُشفت في الجليد الدائم بسيبيريا.
إحدى هذه الدراسات، التي تناولتها صحيفة "ذا جارديان" مطلع عام 2024، تحدثت عن فيروسات عمرها عشرات الآلاف من السنين، بعضها لا يزال نشطا بعد ذوبان الجليد، وعلى الرغم من أنها فيروسات أرضية، فإنها تقدم نموذجا مهما لفهم المخاطر المحتملة إذا تعرض البشر لكائنات فيروسية لم يسبق لجهازهم المناعي أن تعامل معها.
خطر يستحق الدراسة
كل هذه المؤشرات، رغم أنها لا تقدم إجابة قاطعة، إلا أنها تدفع المختصين في علم الفيروسات والأحياء الفلكية إلى التعامل مع احتمال وجود فيروسات فضائية كخطر يستحق الدراسة والاستعداد له. وفي الوقت الذي لا تزال فيه احتمالية وجود فيروس فضائي معدٍ للبشر ضئيلة جدا نظريا، إلا أن احتياطات السلامة الحيوية يجب أن تُبنى على أسوأ الفرضيات لا أفضلها.
وعليه، فإن ما تخلص له الدراسات والتقارير تتمثل في ضرورة استمرار المراقبة العلمية الدقيقة، ودعم فرق البحث المختصة في مجال الأحياء الفلكية، والعمل على تطوير أدوات تحليل جزيئي فائقة الحساسية قادرة على كشف أي أثر بيولوجي غير مألوف في العينات الفضائية. كما يُقترح فتح مسارات تنسيق مع الجهات المعنية بالسلامة البيولوجية، بما في ذلك وزارات الصحة والدفاع، تحسبا لأي سيناريو غير متوقع مستقبلا.