المسعفون المتطوعون على حدود غزة.. مهمة إنسانية محاطة بالدم
بدوافع إنسانية ووطنية بدأت فلسطين رحلتها التطوعية في إسعاف مصابي مسيرة العودة بعد 4 أيام من انطلاق مسيرة العودة في 30 مارس/آذار 2018
بدت المسعفة المتطوعة فلسطين قديح أكثر قناعة بعد 3 أشهر من إصابتها في قدمها برصاصة إسرائيلية بأن جنود الاحتلال تعمدوا استهدافها لردعها والمئات من زملائها من العمل في الميدان وتقديم العلاج للمصابين ونقلهم لسيارات الإسعاف.
بدوافع إنسانية ووطنية، بدأت فلسطين (22 عاما) رحلتها التطوعية في إسعاف مصابي مسيرة العودة بعد 4 أيام من انطلاق مسيرة العودة في 30 مارس/آذار 2018، كانت خلالها شاهدة على مئات الضحايا من القتلى والمصابين ضمنهم عدد من زملائها.
تتحامل فلسطين على أوجاعها؛ لتمتثل لتعليمات الطبيب المتابع لحالتها منذ إصابتها في الجمعة الـ33 لمسيرة العودة وكسر الحصار، ولكنها بالكاد تحاول التكيف على مشهد أسياخ حديد البلاتين المنغرسة في ساقها اليسرى.
عصر الجمعة 9/11/2018، وصلت فلسطين من منزلها، مشياً على الأقدام إلى مخيم العودة الذي يبعد مئات من الأمتار عن منزلها في بلدة خزاعة جنوب شرق قطاع غزة، لتسهم كعادتها كل جمعة في إسعاف وإنقاذ المصابين ضمن عملها التطوعي مع فريق من المتطوعين.
كانت هذه الجمعة الثانية لبدء تفاهمات التهدئة التي توصلت لها الهيئة العليا لمسيرة العودة مع إسرائيل برعاية مصرية مقابل تخفيف الحصار عن غزة، ويتوقف خلالها المتظاهرون عن إشعال إطارات والاقتراب من الشريط الحدودي في أماكن التظاهر، لكن ذلك لم يمنع استمرار قوات الاحتلال الإسرائيلي في إطلاق النار وقنابل الغاز تجاه المتظاهرين دون أن يشكلوا أي خطر على القوات المتحصنة خلف السواتر والتحصينات العديدة.
هكذا أصبت
توجهت فلسطين برفقة إحدى زميلاتها إلى شمال مخيم العودة في خزاعة، وشاهدت هناك مئات المواطنين يتجمعون في تلك المنطقة خاصة على شارع جكر (يبعد 250 م عن الشريط الحدودي مع إسرائيل)، وأعدادا قليلة كانت مجتازة الشارع باتجاه الشريط المذكور الذي كان يظهر داخله تلال وسواتر ترابية يظهر أعلاها جنود الاحتلال إلى جانب تواجد عدد من الجيبات العسكرية".
وتقول فلسطين لمراسلة "العين الإخبارية": "كان هناك إطلاق نار وقنابل غاز من جنود الاحتلال تجاه تجمع المتظاهرين، وبدأت الإصابات بين المتظاهرين خلال تواجدي في المنطقة فتعاملت مع طفل مصاب بشظايا في رجله على بعد حوالي 30 مترا من السياج الشائك، ثم تعاملت مع مصاب آخر وهو شاب وكان مصابا بشظية في يده".
لحظات بعد تمكن فلسطين من إسعاف الشاب المصاب، أطلق جنود الاحتلال وابلا من قنابل الغاز تجاه المنطقة فحاولت الرجوع للخلف باتجاه أماكن تمركز سيارات الإسعاف، في هذه الأثناء تجدد إطلاق النار من جهة تمركز جنود الاحتلال داخل الشريط الحدودي.
شاهدت المسعفة المتطوعة الشاب الذي أسعفته من إصابة يده يصاب مرة أخرى في ساقه، وفي تلك اللحظة أصيبت هي الأخرى وتقول "شعرت بضربة وشيئًا ساخنًا أصاب ساقي اليسرى، فصرخت: أصبت أصبت، وحملني أحد الشبان باتجاه سيارات الإسعاف التي كانت قرب شارع جكر".
من هناك نقلت فلسطين إلى النقطة الطبية الميدانية، ومنها إلى مستشفى غزة الأوروبي؛ لتخضع للعلاج وهناك تبين وجود كسر في ساقها اليسرى وتمزق بالشرايين نتيجة الإصابة بعيار ناري مدخل ومخرج.
مكثت المسعفة في المستشفى 5 أيام خضعت خلالها لعملية جراحية ركب لها فيها بلاتين وربط الشريان، ثم عادت للبيت.
المعطف الأبيض بلا حماية
لم يحم المعطف الأبيض الذي ترتديه فلسطين من رصاص الاحتلال، كما لم يحم قافلة من زملائها الذين قتلوا أو أصيبوا حتى الآن خلال 11 شهرا من المسيرة؛ ما يشير إلى وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة لاستهداف الطواقم الطبية وإعاقة عملها الإنساني المكفول بالحماية وفق قواعد القانون الدولي الإنساني، حسب التحليل الحقوقي لمجريات الأحداث.
وقتلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 3 مسعفين أحدهم فتاة تعرفها فلسطين، فقد كانت رفيقتها في ميدان العمل لأشهر، وهي الشهيدة روزان النجار، التي قتلتها رصاصة قناص إسرائيلي في الأول من يونيو 2018، في حين وصل عدد المصابين من المسعفين والمسعفات إلى 170 حتى الجمعة الـ 45 للمسيرة.
استهداف متعمد
تجزم الناطقة باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عرب فقهاء بتعمد قوات الاحتلال استهداف الطواقم الطبية والإسعاف المنتشرة على طول المنطقة الشرقية من قطاع غزة، وتقول لـ"العين الإخبارية" "الاعتداءات الإسرائيلية على المسعفين والطواقم الطبية عامة تكون مباشرة وبشكل متعمد".
ويقترب المسعفون المتطوعون بملابسهم البيضاء المميزة بإشارات "الهلال الأحمر" من السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل بحسب تنسيق مسبق بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وفق فقهاء التي أكدت أن "التنسيق المسبق لا يمنع جنود الاحتلال من استهداف طواقمنا وسيارات الإسعافات".
وتقول فقهاء "يشكل استهداف الاحتلال للطواقم الطبية وسيارات الإسعاف مساساً خطيراً بقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وهو مؤشر خطير لانتهاك هذه المعايير الدولية التي نظمت قواعد حماية رجال المهمات الطبية، بمن فيهم طواقم الإسعاف وسياراتهم ومنشآتهم الطبية".
جرائم حرب
يؤكد الحقوقي ياسر عبدالغفور، نائب مدير البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، الذي يوثق انتهاكات الاحتلال اليومية بحق الفلسطينيين، أن الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة الممارسة والاعتداءات المتعمدة على أفراد الطواقم الطبية ترتقي إلى جرائم حرب، وفق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، خاصة لنطاق الحماية التي توفرها لهم.
ويشير عبدالغفور، في حديثه لـ"العين الإخبارية"، إلى توثيقهم كل الاعتداءات التي استهدفت الطواقم الطبية خلال مسيرة العودة، وتعمل مؤسستهم مع مؤسسات محلية وخارجية لتقديمها لجان تحقيق دولية، لمعاقبة الإسرائيليين على جرائمهم بحق المدنيين الفلسطينيين ومن بينهم الطواقم الطبية المحميين بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية.
سعادة فلسطين في إنقاذ جريح تكون ممزوجة بخوف وهي ترى الإصابات بين زملائها وزميلاتها في الميدان.. تقول المسعفة المصابة: لقد تمكنت من إنقاذ عشرات الحالات خلال عملي، بما في ذلك بعض الذين كانوا يعلقون قرب السياج الحدودي فكنت أتقدم بجرأة للمساعدة في إخلائهم من تلك المنطقة.
وتشدد المسعفة على أهمية عملهم التطوعي لمساعدة الطواقم الطبية للهلال الأحمر ووزارة الصحة التي تحتاج لمئات الكوادر الطبية والتمريضية والإسعافية كل يوم جمعة.
وحسب فقهاء فإن كل نقطة طبية في مخيمات العودة الخمسة المنتشرة في محافظات قطاع غزة، تحتاج لنحو 50 مسعفاً متطوعا ليساعدوا طواقم الإسعاف وضباطها الموزعين في 67 سيارة إسعاف، تعمل على نقل المصابين إلى مستشفيات القطاع.
وتشير الناطق باسم الهلال الأحمر إلى أن الطواقم الطبية والإسعافية لا تستطيع تغطية كل مساحة الأحداث يوم الجمعة دون دعم كبير من مئات المتطوعين المدربين على الإسعاف الأولي وإخلاء الجرحى "لذلك دور المتطوعين مهم" لكن الأكثر أهمية بالنسبة لفقهاء "حماية المتطوعين من جهة وملاحقة المعتدين عليهم من الجهة الأخرى".
aXA6IDE4LjE5MS4yMDIuNDgg جزيرة ام اند امز