منذ مطلع فبراير/شباط الجاري، تتردد أنباء عن وجود أفراد من تنظيم "القاعدة" في السنغال.
في الواقع، ليس هذا الأمر بجديد، لكن حتى الآن كان وجود "القاعدة" يقتصر فقط على تجنيد مقاتلين من داخل السنغال للقتال خارج بلادهم.
وقال رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية إن خليج غينيا هو الهدف التالي لـ"القاعدة" في منطقة الساحل. يجب إيلاء هذا التصريح العناية والتحليل اللذين يستحقهما، لأنه على الرغم من وجود إرهابيين من العناصر التابعة لـ"القاعدة" في شمال بنين وتوجو وغانا وغينيا وشرق السنغال، فإن ذلك لا يعني أن تلك البلدان هي هدف مباشر لـ"القاعدة" "في المقابل تلك البلدان كلها هدف لتنظيم داعش".
وفي يوم الجمعة، 12 فبراير/شباط الجاري، وفي خضم إعلان تلك التصريحات، نشرت "القاعدة" بيانها رقم 166، مؤكدة أن مزاعم رئيس المخابرات الخارجية الفرنسية جاءت بسبب قرب اجتماع مجموعة الـ5 في عاصمة تشاد "يومي 15 و16 من الشهر الجاري"، مذكّرة بأن ما ذهب إليه المسؤول الفرنسي لا يعدو كونه وسيلة لكسب ودِّ ودعم البلدان الساحلية في غرب أفريقيا. وأضافت "القاعدة" أن هذه الدول ليست مستهدفة طالما كانت إلى جانب الإرهابيين وتؤيد رحيل الفرنسيين.
وفي 13 يناير/كانون الثاني المنصرم، هاجمت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة قوات "مينوسما" "الأمم المتحدة" في مالي عن طريق تفجير عبوة ناسفة، ما أسفر عن مقتل أربعة جنود من ساحل العاج. وحتى الآن، لم تعلن القاعدة في منطقة الساحل مسؤوليتها مباشرة عن استهداف ساحل العاج، لكنها ألمحت إلى أن الهجوم كان يستهدف القوات الفرنسية. والسبب واضح للغاية، فهي لا تريد مواجهة ساحل العاج مباشرة، أو أي دولة على الساحل في الوقت الحالي. التوجيهات الجديدة للقاعدة هي الوقوف إلى جانب السكان المحليين لتقديم نفسها على أنها البديل الوحيد لتحسين أوضاع المناطق التي يوجد بها الإرهابيون.
لقد ارتكب تنظيم "القاعدة" بالفعل في عام 2012 خطأً فادحاً في مالي بفقدان دعم وثقة السكان المحليين، وارتكاب مذابح لم ينسوها بعد. وبعد الاستفادة من الدرس، سيحاول التنظيم الوصول إلى كل هذه البلدان الساحلية في غرب أفريقيا كمُنقذ للسكان ومُخلّص لهم من مآسيهم، وهو تكتيك تستخدمه بالفعل جماعة الشباب التابعة لتنظيم "القاعدة" في الصومال.
في يونيو/حزيران الماضي، وبعد أيام قليلة من مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" في المغرب الإسلامي، عبد المالك دروكدال، ذكرت "القاعدة" في مذكرة داخلية أنه في قرية كافولو بساحل العاج تم قتل نحو 30 جندياً. وأشارت الحكومة الإيفوارية بأصابع الاتهام إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة للقاعدة، مضيفة أن المُنفّذين دخلوا من بوركينا فاسو. وذكرت القاعدة في هذا الصدد أن ساحل العاج أعلنت نفسها عدواً لها، ولذلك اعتبروا هذا البلد هدفاً منذ تلك اللحظة.
وبناءً على كل ما سبق، يمكن استنتاج أن المنطقة الساحلية لغرب أفريقيا بأكملها مستهدفة "وإن لم يكن بشكل فوري". ووفقاً لخطط توسّع القاعدة، يتضح أن الأمر ليس بالجديد. وهنا يجب التمييز بين كونهم يريدون أو يستطيعون. لقد اختار الإرهابيون حرب الاستنزاف بدلاً من المواجهة المباشرة، وهو ما يفسر عدم مهاجمة عواصم هذه الدول أو الموانئ مثلاً. هناك وجود لـ"القاعدة" في موانئ غرب أفريقيا، لكن الإرهابيين يعرفون أنه إذا توقفت هذه المنشآت عن العمل بشكل كامل، فإن الخدمات اللوجستية ونقل الإمدادات والبضائع سينخفضان نحو بلدان داخل القارة بما في ذلك النيجر. وسيؤدي ذلك إلى كارثة اقتصادية وتجارية لن يقبل بها السكان، وسينقلبون حينها على الجماعات الإرهابية.
من ناحية أخرى، هناك شائعات منتشرة في جميع أنحاء غرب أفريقيا، مفادها بأن عائلات القادة الإرهابيين يعيشون في البلدان المجاورة البعيدة عن الصراع، حيث يتمتعون بمستوى معيشي جيد ويحافظون على أملاكهم، وبالتالي فإن الإرهابيين ليسوا مهتمين بخلق اضطرابات وقلاقل حيث تعيش أسرهم.
إذا كان هذا التحليل يبدو مفرطاً في التفاؤل حول نوايا "القاعدة" تجاه البلدان الساحلية في غرب أفريقيا، فلا يجب أن ننسى أنها إذا اختفت، فستكون الجماعة الإرهابية الأخرى، أي "داعش"، فرحة تفرك يديها لأن خططهما مختلفة تماماً اختلاف الليل والنهار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة