إن السؤال المطروح هل يمكن لفريق عمل مكون من قيادتين مثل الرئيس جو بايدن والرئيس حسن روحاني.
أن ينجحا معا في إطلاق بداية جديدة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟ هذا السؤال مرتبط بمعطيات متعددة على الجانبين سواء كان من الجانب الأمريكي أو الإيراني، خاصة مع استمرار النهج الإيراني على حاله، وفي ظل التوقع بعدم وجود أي فرص حقيقية للتقارب العملي إلا بعد إجراء الانتخابات الإيرانية، حيث ينتظر الجانب الأمريكي حدوث مفاجآت في إدارة المشهد السياسي الداخلي في إيران، وربما قواعد اللعبة السياسية بأكملها، خاصة مع استمرار الهجوم الإعلامي الإيراني على الولايات المتحدة.
ولعلنا نتذكر ما قاله على سبيل المثال قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قآني، إن الساسة الأمريكيين يتسمون بالجهل، كما أنهم جبناء، ولم يخجلوا من إلغاء توقيعهم الشخصي أمام العالم، وأنهم غير قادرين على خوض مفاوضات، وذلك بعد أيام قليلة من فوز الرئيس جو بايدن. كما بعث الرئيس حسن روحاني بعرض حوار حذر في اتجاه الإدارة الأمريكية، وأعلن أنه يرحب بأجواء العلاقات الوثيقة والأعمال المتبادلة مع جميع البلدان الصديقة، حيث دعا للانتقال ببطء من موقع التهديدات إلى موقع الفرص، وعلى أثر ذلك سيكون من الممكن رفع العقوبات الأمريكية المفروضة وتمكين جهود الوساطة الأوروبية من أن تبدأ فوراً، وستكون هناك فرصة جيدة للعودة للاتفاق النووي الذي ألغاه الرئيس ترامب في 2018 من جانب واحد.
ورغم الطرح الرسمي المعلن، فإن إيران ترفض تقديم معلومات كاملة حول برنامجها النووي، إذ إن الإدارة الأمريكية تضعه شرطاً أساسياً لمثل هذه البداية الجديدة مع إدارة الرئيس جو بايدن، كما ترفض الالتزام الكامل، والمسبق بالاتفاقية النووية الموقعة عام 2015، وهو ما يجب ضمانه من قبل إيران قبل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في يونيو 2021، لأنه من الممكن أن يأتي الرئيس الجديد من صفوف المتشددين المحافظين المراهنين على المواجهة مع الولايات المتحدة.
والواقع أن إجراء تفاهم أمريكي إيراني قبل هذا الموعد سيكون إيجابياً بالنسبة لمسارات العلاقات واتجاهاتها، ويبدو أن الرئيس حسن روحاني اعتمد هو الآخر هذا المنطق، حيث طالب بعدم التضحية بالمصالح الوطنية في الحملة الانتخابية. وهذا التصور من قبل الرئيس روحاني يحظى بدعم ومساندة من وزير الخارجية محمد جواد ظريف، حيث يريد المحافظون إلغاء العقوبات ليس من خلال اتفاقية مع واشنطن، وإنما عبر المواجهة مع الولايات المتحدة أو مع حلفائها في المنطقة، وهذا ما أعلنه أيضا المرشد علي خامنئي، وهو ضرورة رفع العقوبات أولاً حتى تفي إيران بالتزاماتها الناشئة عن الاتفاق النووي، وهو الموقف الذي أكده ساسة إيرانيون، رافضين تقديم بلادهم أي تنازلات للولايات المتحدة، بل وإعادة طرح مسألة تعويض الضرر الذي لحق بالشعب الإيراني، خاصة أن إيران ليست لديها علاقات مصرفية مع دول الاتحاد الأوروبي، وبدليل عدم قدرة دفع إيران رسوم عضوية الأمم المتحدة، بسبب فرض العقوبات.
في هذا السياق الإيراني الداخلي، لم تتوقف المراوغات الإيرانية الشيطانية الدورية والتي كان آخرها منذ أيام، حيث تم الدفع ببعض المليشيات الإيرانية لتحويل حاويات تابعة للأمم المتحدة مخزنة في مطار دمشق إلى مستودعات للأسلحة بشكل مؤقت، كما أنها نقلت عدداً من عناصرها لحمايتها، ومنعت موظفي المطار من الوصول إليها. وتقع الحاويات على بعد 200 متر عن مطار دمشق، وتخضع لرقابة مكثفة من قبل المليشيات الإيرانية، وكانت تستخدم سابقاً لتخزين مواد شركة "دي إتش إل" للشحن، وأخرى خاصة بتخزين المواد التي تستقدمها الأمم المتحدة إلى سوريا، قبل تحويلها لمستودعات أسلحة إيرانية.
ولعل ما يؤكد هذا النهج الإيراني العدواني - الذي لن تتخلى عنه - ما خلصت إليه الاستخبارات الإسرائيلية من أنها لا تتوقع اندلاع حرب ضد إسرائيل في الجبهة الشمالية، بل والتوقع أن يبادر "حزب الله" بتصعيد يقتصر على عدة أيام على غرار تصعيد حماس في غزة. وأن هذا التصعيد الذي قد يحدث يعود إلى تصميم أمين عام حزب الله حسن نصر الله على الرد على الضربات المنسوبة لإسرائيل، بما في ذلك مقتل أحد عناصره في غارة على مواقع في محيط مطار دمشق، في يوليو الماضي.
والواقع الاستراتيجي المتعارف عليه أنه منذ التوقيت الذي تبدأ فيها إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، ستكون قادرة على صنع قنبلة نووية في غضون عامين تقريبا، ولهذا فإن إيران تريد التفاوض لإدخال تعديلات على الاتفاق النووي قبل العودة للتقيد ببنوده، وأنها توظف قدرات أذرعها الوكيلة على غرار حزب الله في لبنان، وعناصرها في سوريا، إضافة إلى حلفائها في العراق واليمن وغزة، للضغط على الإدارة الأمريكية.
تبقى، في المقابل، الإشارة إلى أن الموقف الأمريكي يستند إلى مرتكز رئيسي يرى أن الخطوة الأولى لا بد أن تأتي من جانب طهران، إذ رد بايدن على سؤال هل سترفع الولايات المتحدة العقوبات أولاً كي تعيد الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات؟ أجاب بالنفي "لا"، وكان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن قد عبر أيضاً عن نفس الموقف بتأكيده أنه في حال إذا أرادت إيران العودة للالتزام بواجباتها التي يفرضها الاتفاق النووي سوف نفعل الأمر نفسه، وبعدها ستعمل أمريكا مع الحلفاء والشركاء في محاولة التوصل لاتفاق أقوى وأطول أمداً يشمل بعضاً من القضايا الأخرى.
وربما يكون المخرج الحقيقي للموقف الحالي بين الولايات المتحدة وإيران هو خطوات تدريجية متزامنة من الجانبين، وهو ما عبرت عنه الخارجية الروسية أيضا عندما حذرت إدارة الرئيس بايدن من المماطلة في رفع العقوبات عن طهران، مع الإقرار باستحالة رفعها دفعة واحدة، إضافة إلى دعوة إيران إلى التحلي بضبط النفس بعدما بدأت بإنتاج اليورانيوم.
والواقع أنه -ورغم ما يجري من مواقف إيرانية ورسائل أمريكية- توجد آليات تسمح بما يسمى العودة المتزامنة لتنسيق عودة الطرفين (طهران وواشنطن) بضمانة أوروبية، ليكون هذا حلاً لحالة الجمود الدبلوماسي التي أحاطت بالاتفاق النووي، ويقف في مواجهة الممارسات الإيرانية المفتوحة في الإقليم.
ويبقى التأكيد على أن روسيا تحاول تمهيد الطريق لتوفير مثل هذه الشروط، وتعتبر روسيا أن خطة العمل الشاملة المشتركة هي تأشيرة المرور الآمنة في تعامل إيران مع الولايات المتحدة فهل تصدق موسكو؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة