أحزاب اليسار حول العالم.. انقسام على وقع حرب غزة
قلبت الحرب في غزة السياسة رأسا على عقب، لكن تيار اليسار حول العالم كان الأشد عرضة للتمزق الأمر الذي قد يكون له ثمن باهظ.
ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعرب سياسيون حول العالم عن صدمتهم وتعهدوا بدعم إسرائيل لكن هذا الإجماع السياسي تراجع مع قيام إسرائيل بقتل آلاف الفلسطينيين.
وفي تحليل لها، قالت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية إنه إذا كانت الحرب في غزة قد قلبت السياسة رأسا على عقب في مناطق أبعد من الشرق الأوسط فإن تيار اليسار حول العالم يعاني من التمزق الأمر الذي قد يكون له ثمن باهظ مع اقتراب الانتخابات في عدد من الدول.
وأضاف التحليل الذي طالعته "العين الإخبارية" أنه حتى الآن كانت هناك نقطتان حاسمتان من نقاط التوتر التي تقسم اليسار.
وأوضح أن الأولى هي تأييد وقف إطلاق النار للسماح بدخول المساعدات إلى غزة وخروج المدنيين، والثانية تتعلق بالمدى الذي ينبغي للقادة أن يذهبوا إليه في انتقاد إسرائيل.
ونقلت "بوليتيكو" عن إلهام فخرو من معهد تشاتام هاوس للشؤون الدولية قولها إن "اليسار على مستوى العالم لا يزال مناهضاً للحرب بشدة".
واعتبرت أن "ما نشهده اليوم يذكرنا بالتعبئة ضد حرب العراق عام 2003 والانقسامات بين المشاعر الشعبوية وسياسات صناع القرار في اليسار".
وشددت على أن "قادة اليسار بحاجة إلى فهم أوجه التشابه هنا، وقوة المشاعر المناهضة للحرب على الأرض، والتصرف وفقًا لذلك".
المملكة المتحدة
ومع تقدمه الثابت في استطلاعات الرأي بفارق 18 نقطة عن حزب المحافظين الحاكم، اقترب حزب العمال البريطاني من الفوز بالانتخابات العامة المقبلة المتوقعة في 2024 لكن الحرب في غزة خلقت واحدة من أكبر التحديات التي يواجهها زعيم الحزب كير ستارمر.
وينقسم "العمال" حول الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة والتي يؤيدها ثلث أعضاء البرلمان من الحزب فضلا عن عدد من السياسيين.
لكن ستارمر ما زال يقاوم في حين يشعر العديد من السياسيين بالقلق من التأثير الانتخابي لهذه السياسيات.
وقال أحد وزراء الظل في حكومة العمال لـ"بوليتيكو" إن الحزب "ينزف أصوات المسلمين على نطاق واسع وهو ما يكفي لخسارة مقاعد إذا كانت هناك انتخابات غدا".
الولايات المتحدة
كما يعاني اليسار الأمريكي من انقسام مؤلم بسبب الحرب فعلى الرغم من أن شريحة واسعة من الناخبين الأمريكيين كانت تاريخياً مؤيدة لإسرائيل، إلا أن هذا الدعم الشعبي انخفض في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" ونشر قبل بدء الحرب، فإن الدعم الأمريكي كان يميل للمرة الأولى نحو الفلسطينيين على حساب الإسرائيليين.
ويقود هذا الاتجاه الناخبون الشباب، الذين يعرفون في المقام الأول بأنهم ديمقراطيون.
ومنذ بداية الحرب، تزايدت الاحتجاجات والانقسامات في الحرم الجامعي كما أصبح الأمريكيون اليهود، وغالبيتهم من الديمقراطيين، أكثر تشككا في السياسات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة.
ويهدد الأمريكيون المسلمون، الذين أيدوا الرئيس الديمقراطي جو بايدن في 2020 بالبقاء في منازلهم في انتخابات العام القادم بسبب دعمه المبكر لإسرائيل ومنذ ذلك الحين تحدثت الإدارة الأمريكية عن الإسلاموفوبيا وأعربت عن تعاطفها مع المدنيين الفلسطينيين.
إسبانيا
اندلعت الحرب في لحظة حساسة للغاية بالنسبة لرئيس الوزراء الإسباني الاشتراكي بيدرو سانشيز الذي يحاول تشكيل حكومة ائتلافية جديدة مع ائتلاف سومار اليساري.
وأدان الاشتراكيون هجوم حماس وأكدوا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لكنهم أدانوا أيضا قيام إسرائيل بقتل المدنيين في غزة وطالبوا بوقف إطلاق النار.
ويدين سومار الهجمات أيضا، لكنه يرفض وصف حماس بأنها منظمة إرهابية ويرى أن إسرائيل مسؤولة عن العنف بسبب الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية.
وأراد الائتلاف إدراج الاعتراف "الأحادي وغير المشروط" بفلسطين في اتفاقية الحكم وهو ما رفضه الاشتراكيون.
ألمانيا
ويدعم اليسار الألماني فلسطين منذ ارتداء طلاب الجامعات الكوفية لإظهار التضامن بعد حرب 1967.
ودعا بعض السياسيين اليساريين إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية لكن القليل منهم شكك في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وأيدت كل الأحزاب اليسارية قرار البرلمان التضامن مع إسرائيل بعد هجوم حماس وهو قرار نابع من شعور بالمسؤولية لدى الألمان منذ المحرقة.
لكن برلين امتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بدلا من رفضه كما تريد إسرائيل.
ومعظم المشاعر المعادية لإسرائيل جاءت من مجتمعات المهاجرين المسلمين الذين خرجوا بأعداد كبيرة في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد رغم حظر السلطات معظم المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وسط تحذيرات بالمحاكمة والترحيل بتهمة معاداة السامية.
كندا
الليبراليون من يسار الوسط في كندا بزعامة رئيس الوزراء جاستن ترودو يعانون أيضا من انقسام داخلي حول الدعوات لوقف إطلاق النار.
ووقع العديد من نواب اليسار على رسالة تطالب بوقف الأعمال العدائية وهو ما يقاومه ترودو المؤيد لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ويطالب بدلا من ذلك بهدنة إنسانية للسماح بوصول المساعدات.
هولندا
وفي هولندا، ألقى الصراع بين إسرائيل وحماس بظلاله على الانتخابات الوطنية التي جرت هذا الشهر وعلى التحالف الجديد بين حزبي العمل والخُضر.
ويواجه فرانس تيمرمانز، الذي يقود التحالف انتقادات شديدة بسبب دعمه الصريح لإسرائيل.
وحاول التحالف توحيد صفوفه وتبنى أعضاؤه اقتراحًا يركز على الوضع الإنساني في غزة وإدانة حماس أيضا.
إيطاليا
وتشهد ملفات السياسة الخارجية انقسامات عميقة بين يسار الوسط واليسار المتطرف في إيطاليا.
ويدعم اليسار المتطرف دائما حركات الاحتجاج العالمية، بما في ذلك القضية الفلسطينية ويكافح الديمقراطيون من يسار الوسط لتبني موقف موحد.
وقبل أن تصبح زعيمة للحزب الديمقراطي دعمت إيلي شلاين المواقف المتعاطفة مع الفلسطينيين لكنها تعرضت لإساءات معادية للسامية لأن والدها يهودي.
وقالت شلاين إنها مع "إسرائيل وفلسطين”، وأكدت أنه يجب عزل حماس لكنها حذرت من أن "الضحايا الفلسطينيين لا يستهان بهم".
وكانت شلاين قد أحيت الآمال في وجود يسار موحد، لكن الانقسامات حول الشرق الأوسط تهدد بجعل تحدي اليسار للحكومة اليمينية أكثر صعوبة.
فرنسا
ويوجد في فرنسا أكبر جالية مسلمة وأكبر جالية يهودية في أوروبا ويخشى الرئيس إيمانويل ماكرون من أن يؤدي الصراع في الشرق الأوسط إلى إثارة أعمال عنف في البلاد.
لذا حرص على الحفاظ على موقف متوازن بين دعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وواجبها في "احترام السكان المدنيين".
ولقي هذا الموقف استحسانا كبيرا في استطلاعات الرأي، لكنه لم يحظ بإجماع ضمن فريقه وفي موقف غير معتاد في الشؤون الدولية نأي العديد منهم بأنفسهم عن الرئيس من خلال الدعوة إلى دعم غير مشروط لإسرائيل.
في المقابل، يصر الزعيم اليساري المتطرف جان لوك ميلينشون، على عدم رغبته في وصف حماس بأنها منظمة "إرهابية"، مما أدى إلى إثارة جدالات عنيفة وإعادة إطلاق محاكمة معاداة السامية التي تم تقديمها ضده في الماضي.
aXA6IDMuMTYuMTM3LjIyOSA=
جزيرة ام اند امز