«لسنا نادمين».. فارون من إسرائيل يروون رحلات ذهاب بلا عودة
بأسماء مستعارة تحدثوا عن رحلات اختاروا أن تكون عبر تذاكر ذهاب بلا عودة إلى إسرائيل، في قصص تستعرض شهادات لفارين من حمم حرب غزة.
ومنذ اندلاع حرب غزة، اختار عدد كبير من الإسرائيليين الانتقال إلى تايلاند التي باتت وطنا جديدا لهم حيث تستقر عشرات الأسر في جزيرة كوه فانجان.
فيما بدأ بعضهم الانتقال إلى مناطق في الشمال، لكن ما يجمعهم هو عدم الشعور بالندم لمغادرة إسرائيل.
صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية التقت عددا من المقيمين في تايلاند الذين اختار معظمهم أسماء مستعارة، ورغم أنهم قالوا "نحن لا نخجل من أي شيء" إلا أنهم اعتبروا أن الكشف عن أسمائهم الحقيقية "سيجعل الأمور صعبة بالنسبة إلينا".
ومن بين الذين التقتهم "هاآرتس" كان دانيال الذي عاد إلى منزل والديه في كيبوتس زيكيم قرب حدود غزة في زيارة استمرت 10 أيام لبيع ممتلكاته.
خدم دانيال في الجيش كجندي مظلي في لواء ناحال قبل أن يعود إلى زيكيم ويعمل في شركات البناء، ثم قامت السلطات بإجلائه بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مع زوجته وأطفاله الثلاثة (7 و5 أعوام وعامين) إلى كيبوتس سدوت يام إلى الشمال. وهناك عاشوا في غرفة مزدحمة لأربعة أشهر وصفها بأنها "صعبة للغاية".
حياة جديدة
قبل 4 أشهر، سافر دانيال وأسرته إلى كوه فانجان جنوب غربي تايلاند، حيث يعيش أحد أقارب زوجته منذ عدة سنوات، وبعد بضعة أسابيع قرروا عدم العودة حيث أدركوا بسرعة كبيرة أنها لم تكن إجازة، بل حياة جديدة.
وقال دانيال إنه وصل في كوه فانجان في ذروة الموسم السياحي حيث كان هناك عدد قليل من المنازل المتاحة وكانت الأسعار مرتفعة.
وحول أطفاله، قال إن الصغيرين يذهبان إلى روضة أطفال يملكها إسرائيليون، مع مساعدين ومعلمين من بورما.
أما ابنه الأكبر فذهب في البداية إلى مدرسة مملوكة لإسرائيليين، لكنها أغلقت بعد بضعة أشهر بسبب نقص الوثائق وضغط السلطات.
وكشف أنه يقيم وأسرته بتأشيرة سياحية تمكنه من البقاء لمدة 90 يومًا، ثم يتعين عليهم الذهاب إلى ميانمار لمدة يوم ثم العودة.
والآن سجلت زوجته لدراسة اللغة التايلاندية وحصلت على تأشيرة طالب، فيما يأمل دانيال أن يحصل على تأشيرة عمل في أغسطس/آب المقبل تمكنه وأسرته من الإقامة لمدة عام.
ولم يجد دانيال عملا حتى الآن لكن خطته تكمن في بناء منزل على قطعة أرض اشتراها ثم تحديد إما بيعه أو الإقامة فيه.
400 عائلة
قدر دانيال وجود 400 عائلة إسرائيلية تعيش في كوه فانجان على مدار العام، معظمهم لديهم أطفال.
وأوضح أنه لم يقم بأي استعدادات للرحلة، لكنه أكد أنه بعد 4 أشهر وجد أن الواقع يفوق كل ما تخيله وأن الناس لديهم شعور كبير بالأمان وراحة البال، وأنه سيبقى على الجزيرة الاستوائية طالما ظل قادرا على كسب لقمة العيش.
وحول الأحداث في إسرائيل، قال إنه ما زال عضوًا في مجموعة واتساب الخاصة بالكيبوتس، لذا يحصل على تحديثات بشأن الإنذارات الصاروخية، لكنه ليس متابعا جيدا للأخبار هو وزوجته.
وردا على سؤال إن كان سيغادر لو لم يحدث هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال دانيال: "لا أعتقد ذلك.. لم يتم طرح الأمر مطلقًا، لم نفكر في الانتقال إلى مكان آخر وبالتأكيد ليس إلى تايلاند.. لقد انتقلنا إلى منزل جديد في زيكيم قبل ثلاثة أشهر. لقد استثمرنا فيه كثيرًا واعتبرناه موطننا للسنوات العشر القادمة".
وأضاف: "بعد عملية الإخلاء والمصاعب التي سببتها، قررنا المغادرة، ولم نكن نرغب في البدء من جديد في أي مكان آخر بإسرائيل، لقد اخترنا الاتجاه المتطرف".
وأوضح أن تايلاند كانت اختيارًا عشوائيًا فكان بإمكانه وأسرته الذهاب جوا إلى سريلانكا أو البرتغال فجميعها فيها جاليات إسرائيلية، وشدد على أن الانتقال إلى تايلاند ليس مغامرة وأنه يضع خططا طويلة المدى.
ونفى دانيال أي إزعاج بسبب أي سؤال أخلاقي حول مغادرة إسرائيل، قائلا: "بعد 7 أكتوبر، لا أشعر بأنني يجب أن أكون في إسرائيل لأثبت أن هذا هو بيتي.. لا توجد أسباب للقتال من أجل بيتي هنا.. إذا أتيحت لي الفرصة لأن أعطي عائلتي الأمان فلا يوجد سبب يمنعني من القيام بذلك".
موطن
شهد شهر أبريل/نيسان هذا العام عددا قياسيا من السياح الإسرائيليين في تايلاند، حيث سافر إليها 24,243 سائحا بارتفاع نسبته 36% عن العام الماضي، كما دخل إلى تايلاند 73,173 إسرائيليًا في الأشهر الأربعة الأولى من العام، وفقًا لبيانات من فرع إسرائيل لهيئة السياحة التايلاندية.
ومع ذلك، لا تتوفر أرقام دقيقة بشأن الإسرائيليين الذين يعيشون في تايلاند منذ بضعة أشهر أو أكثر ويبدو أنه لا أحد يملك هذه البيانات.
أما ياسمين فقالت إنها تعتبر كوه فانجان بالفعل موطنها الثاني، موضحة أنها كانت تنتقل من وإلى الجزيرة على مدار 3 سنوات لكنها الآن لا تحدد تاريخًا نهائيًا لإقامتها.
وكشفت عن ارتفاع غير عادي في عدد الإسرائيليين في الجزيرة حيث تلتقي بهم يوميا، قائلة إن القضية التي تشغل الكثير منهم هي التعليم حيث راقبت السلطات التايلانيدية المدارس وأغلقت بعضها ويحاول بعض الإسرائيليين إنشاء مدارس مستقلة.
وأوضحت أنه "خلال الأشهر الأخيرة تغير المشهد وارتفعت الأسعار، لكن الجزيرة ستظل أفضل البدائل، وتابعت: "يسهل علي التنفس هنا، ولم يعد بإمكانك القيام بذلك في إسرائيل".
من جانبها، وصلت دانا من تل أبيب إلى كوه فانجان في أغسطس/آب الماضي مع شريكها وابنها، لكنها اشتكت من ارتفاع الأسعار وأن الجزيرة أغلى بنسبة 30% من المناطق الأخرى في تايلاند.
ووصفت المدارس بأنها "مشاريع تجارية" والمعلمين بأنهم سياح، وأضافت أنه عندما يصل الأطفال إلى سن المدرسة الثانوية، يعود معظم الناس إلى إسرائيل وأعربت عن انزعاجها من حفاظ الإسرائيليين على عاداتهم وعدم رغبتهم في التعرف على ثقافة جديدة.
أما ميكال التي نشأت في تل أبيب، وأمضت السنوات القليلة الماضية في كيبوتس في شمال إسرائيل، فقالت إنها سافرت وزوجها وأطفالهما الأربعة إلى تايلاند في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لكنها شددت على أن الرحلة كانت مخططة مسبقا.
وأوضحت أنهم مكثوا 3 أشهر في باي شمال تايلاند ثم انتقلوا إلى جوا ومنها إلى سريلانكا قبل عودتهم مؤخرا إلى باي، حيث يستأجرون الآن منزلاً.
وقالت إن المدينة امتلأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بالعائلات الإسرائيلية وتقدر أن هناك الآن العشرات منهم ووصفتهم بـ"الفيضان"، وحذرت من أنه "خلال فترة فصيرة سيقل إعجابهم بنا".
وأضافت: "الكثير من الناس يتطلعون إلى الاستقرار هنا.. يبحث الجميع عن أماكن للإقامة لأشهر أو سنوات قادمة. ومن الواضح أن هذا يؤثر على الرغبة في العودة".
وتابعت أن الجميع، من مختلف الأعمار والآراء السياسية في إسرائيل، يقولون إنه من الأفضل لنا ألا نكون في إسرائيل الآن.