يُعرّف النفط في اللغة العربية بأنه البترول، أي الزيت المعدني الموجود بالآبار.
وهو مركّب من عنصرَي الكربون والهيدروجين يُحصل عليه بتقطير الزيت، وهو سريع الاحتراق، تُوقد به النارُ ويُستخدم وقودًا للمحركات.
محركات البحث الحديثة على الإنترنت يتصدرها دومًا الحديث عن النفط، كونه الوقود الذي ينسكب على ميزانيات المستهلكين.
فالنفط في قاموسي هو السلعة السحرية، الأغلى والأهم في تاريخ البشرية، منذ أن بدأ تسعيره 1860، أي بعد عام واحد من اكتشافه، ومنذ تعبئة النفط في براميل للبيع والشراء ارتبط السعر بحالات السِّلم العالمي، وأيضًا بأصوات المدافع والطائرات في حالة الحروب.
في الحرب الحديثة تدخَّل النفط كسلاح لحسم بعضها، والمائة عام الماضية شاهد على ذلك.
وبتتبع تحركات أسعار النفط هبوطًا وارتفاعًا تكون النتيجة أن حرب أكتوبر 1973 كانت الصخرة التي حركت مياه أسعار النفط الراكدة، والتي كانت تدور بين 1.8 دولار للبرميل و5.11 دولار للبرميل.
البرميل استمر في الصعود إلى 12 دولارًا، لكن مع اندلاع الحرب بين العراق وإيران، زحفت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة في ذلك الحين إلى 40 دولارًا عام 1981، ولم يوقف زحف تلك الأسعار إلى أعلى حتى توقُّف تلك الحرب المدمرة، وهدأت معها فورة النفط ونيران الأسعار ونزلت للنصف.
في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي كان برميل النفط يراوح السبعة دولارات، ومضى في اتجاه ساكن ثابت لدرجة أن إنتاج "أوبك" حينئذ لم يتعد 14 مليون برميل يوميًّا، حتى فجر الثالث من أغسطس عام 1990، حيث استيقظ العالم على غزو العراق للكويت، ليقود الحدث العالم والمنطقة لصراع مرير لم يُفلت النفط من تأثيره.
تأثير حرب الكويت كان أسرع مما حدث في حرب إيران، وقفزت الأسعار إلى 29 دولارًا، واستخدمت أمريكا سلاح المخزون الاستراتيجي النفطي، كذلك حاولت "أوبك"، التي كانت تدير ملف النفط الدولي منفردة في تلك الفترة العصيبة من تاريخ النفط، فلملمت صفوفها لتُبقي على توازن السعر بين 22 و28 دولارًا بعد أن انخفض في أواخر 1998 إلى 10 دولارات.
مليارات الدولارات أهدرتها حرب العراق في الكويت، ودمرت معها بنية بغداد النفطية والتحتية وقادت قطار أسعار النفط بلا سائق متمكّن ولا مَكابح عتية ولا ميزان يزن الأمور بعين العقل، حتى بلغت ذروتها في 2008 وسجل سعر برميل النفط 147 دولارًا، لكنها سرعان ما انهارت على وقع أزمة مال عالمية كان مصدرها أمريكا بفعل انفجار "بالونة" عقارية ضخمة أخذت معها أكبر بنك عقاري، ليُشهر "ليمان براذرز" إفلاسه.
هذا الإفلاس صدّر موجاتٍ سلبية لجميع أسواق العالم، وانهارت أسواق على أثره، وسبّب ذعرًا في أسواق النفط، وتداعت الأسعار إلى 33 دولارًا للبرميل، قبل أن تنظّم "أوبك" صفوفها دفاعًا عن الأسعار، وبالفعل استطاعت أن تحقق سعرًا عادلا للنفط تراوح بين 65 و75 دولارًا للبرميل، في حرب رقمية جديدة عابرة للقارات ترجمها تساقط شاشات التداول في بورصات الأوراق المالية كأوراق الخريف.
هذا الخريف لم يدُم طويلا أيضًا، حتى هبت رياح ما سُمي "الربيع العربي" المدمر لعدد من اقتصادات المنطقة، ومنها أحد منتجي النفط الكبار، ليبيا، ليقود هذا التدمير الأسعار العالمية إلى ارتفاع جديد بلغ مداه، 128 دولارًا، حتى هدأت الأوضاع وخسر مَن خسر في معركة الربيع الفوضوية، وحلّ الوباء.
وباء كورونا جاء بعد ربيع عربي فوضوي دام لعشر سنوات، لم تعرف أسعار النفط خلالها السبيل للهدوء، وتفاوتت الأسعار ارتفاعًا وانخفاضًا، على مدار عامين وأكثر، كان خلالها متوسط السعر 69 دولارًا، حتى اندفعت روسيا في عمليتها بأوكرانيا في الخامس والعشرين من فبراير 2022، لتبدأ رحلة جديدة لقطار النفط السريع ليبحث عن محطة جديدة.
بين محطات رحلة النفط، وتحديدًا في عام 2016، تشكّل تحالف جديد من رحم "أوبك"، وهو "أوبك بلس" أو "أوبك+"، وتحديدًا في اجتماع أقل ما يوصف به أنه "تاريخي" في الجزائر العاصمة، ليس لينافس أوبك الأم، بل بالعكس لضبط إيقاع السوق، وليس أيضًا لتحديد أو تحريك الأسعار، ولكن ليضع سياسات ومعايير لسوق يحكمها العرض والطلب، لا السياسة وتداعيات الحروب.
الخلاصة، الحروب في الأرض قد لا تنتهي، لكن الذي قد ينفد هو النفط، مهما طالت الثرثرة حول ماضي البرميل ومستقبله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة