مثَّلت زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، "غير المبرَّرة" لتايوان قبل أيام نموذجًا لكيفية افتعال الأزمات، في وقت يعاني فيه العالم فعلًا أزمات وصراعات كثيرة تعصف باستقراره.
وأكدت هذه الزيارة إصرار واشنطن على المضيِّ قُدُمًا في سياساتها المناهضة للصين، إذ تُعَدُّ الأخيرة التهديد الأكبر للهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، نظرًا إلى ما تملكه من قدرات سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وتقنية.
وأثارت زيارة "بيلوسي" غضب بكين، وعلى الرغم من تمتُّع تايوان بالحكم الذاتي، فإنَّ الصين لا تزال تَعُدُّها جزءًا من أراضيها.
وردًّا على هذه الزيارة اتخذت الصين إجراءات غير مسبوقة، فأوقفت الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات عدَّة، وبدأت في إجراء تدريبات عسكرية غير مسبوقة من حيث الحجم، إلى درجة دفعت الكثيرين إلى توقُّع إقدام الصين على اجتياح تايوان عسكريًّا، وضمِّها بالقوة.
وفي 10 أغسطس أصدرت بكين "الكتاب الأبيض" بشأن تايوان، وهو النسخة الثالثة من كتابين سابقين صدرا في عامي 1993 و2000، وتحدِّد فيه الصين معالم رؤية جديدة لإعادة توحيد البلاد، وأكدت بكين أنها لن تستبعد استخدام القوة في حال فشل إعادة التوحيد السلمي مع تايوان، عارضةً في الوقت نفسه مزايا وحقوقًا إدارية واقتصادية واسعة على تايوان.
ويجيء هذا التصعيد الأخير في مضيق تايوان، في وقت يعاني فيه العالم تبعات الصراع العسكري الروسي-الأوكراني، ويتهم كثيرون واشنطن بأنها سببٌ رئيسيٌّ في إشعاله، نظرًا إلى تشجيعها المستمر لأوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو، وهو ما تعدُّه موسكو خطًّا أحمر، والرابط بين الأمرين هو رغبة واشنطن في عرقلة تقدُّم الدولتين المرشحتين لمنافستها على قمة النظام الدولي: الصين وروسيا، ونجحت بذلك في استدراج روسيا إلى ما يشبه "حرب الاستنزاف" في أوكرانيا، فيما تدفع بكينَ إلى استخدام القوة العسكرية لفرض مبدأ "الصين الواحدة" الذي اعترفت به واشنطن نفسها، وتحاصرها بتحالفات إقليمية وعالمية مثل تحالف "أوكوس" الثلاثي، و"كواد" الرباعي، وغيرهما.
ولا شكَّ في أن اشتعال صراع جديد في منطقة جنوب شرق آسيا، فضلًا عن الصراع الروسي-الأوكراني، قد يدفع إلى زعزعةٍ شاملةٍ للاستقرار العالمي.
ومع تنامي إحساس الدولتين بالخطر، وتهديدِ محاصرة الولايات المتحدة لهما، فإنَّ مثل هذه التحركات ستُمتِّن التحالف الصيني-الروسي، وقد نشهد تفاقمًا أكبر في الأزمات الاقتصادية العالمية، التي تؤثر في مليارات البشر، ولا سيَّما مع ما تتمتع به الصين من ثقل اقتصادي عالمي، وقد نشهد سباقًا عالميًّا جديدًا نحو التسلح بجميع أنواعه.
وتتطلَّب الحكمة أن تتصرف جميع القوى الدولية بمسؤولية، وأن تتجنب الأعمال الاستفزازية التي تهدد بإشعال التوتر والصراع، والبحث عن مخرجٍ سياسيٍّ واقعيٍّ وعقلانيٍّ للأزمات القائمة بدلًا من زيادتها، وأن يستهدف التنافس بين الدول رفع القدرات الوطنية، والارتقاء بالكفاءات، وضمان استقرار العالم وأمنه ورفاهيته، وهو النهج الذي تسير عليه دولة الإمارات العربية المتحدة، وفقًا لرؤية قيادتها الرشيدة.
نقلا عن "مفكرو الإمارات"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة