يشهد عالم اليوم تغيراتٍ عميقة لا مثيل لها منذ قرن من الزمان.
ويعد تأثير جائحة "كوفيد-19" واسعا وبعيد المدى، فيما يواجه الانتعاش الاقتصادي العالمي تحديات جسيمة.
في هذا السياق، أشار الرئيس الصيني شي جين بينج إلى أن جميع دول العالم بحاجة إلى تعزيز الانفتاح والتعاون في العلوم والتكنولوجيا، واستكشاف طرق ووسائل لحل القضايا العالمية المهمة بشكل مشترك من خلال الابتكار العلمي والتكنولوجي، ومواجهة تحديات العصر لدفع السلام والتنمية عالميا.
وتتعدى أنشطة الابتكار العلمي والتكنولوجي حدود المناطق والدول والمنظمات، وتتزايد المنافسة في قطاع الابتكار، الذي يعد دعما رئيسيا للتنمية الوطنية وتحسين جودة التنمية ومستوى معيشة الشعوب في عصرنا الحديث.
في فترة تنفيذ الصين سياسة الإصلاح والانفتاح، طرحت مفهوم أن "العلوم والتكنولوجيا هما القوى المنتجة الأولى"، وفي التطوير اللاحق، أعطت الصين اهتماما لدور العلوم والتكنولوجيا بصفته القوة المحركة الأولى لقيادة التنمية الصينية وتحقيق التنمية الأعلى جودة والأكثر استدامة.
بفضل الإدراك الكامل لأهمية العلوم التكنولوجية والمواهب العلمية، انتهزت الصين فرص التنمية وحققت تطورا سريعا خلال العقود الماضية.
ورغم ذلك، فإن التقدم العلمي والتكنولوجي يتطلب اختراقاتٍ وابتكاراتٍ مستمرةً، ففي الوقت الحاضر، بالاعتماد على الابتكار في مجال العلوم والتكنولوجيا، يمكن للصين أن تحقق قفزة في صناعاتها من سلسلة القيمة المنخفضة إلى سلسلة القيمة المتوسطة والعالية، وتنجح في تغيير نمط تنمية الصين السابق، المتمثل في الاعتماد على عدد كبير من عوامل الإنتاج، وتعديل الهيكل الاقتصادي للصين وإعطائه آفاقًا أوسع للتنمية.
خلال العقد الماضي، أولت الصين مزيدًا من الاهتمام للابتكار العلمي والتكنولوجي، وتمسكت باعتبار الابتكار القوة الدافعة الأساسية للتنمية.
وزاد استثمار الصين في قطاع البحث والتطوير من 1.03 تريليون يوان "نحو 150.1 مليار دولار أمريكي" عام 2012 إلى 2.79 تريليون يوان "نحو 406.4 مليار دولار أمريكي" عام 2021، وتقدمت الصين من المرتبة 34 في تصنيف مؤشر الابتكار العالمي عام 2012 إلى المرتبة 12 عام 2021.
كما حققت الصين سلسلة اختراقات في مجالات استكشاف الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل 5G والصناعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والطب الحيوي والطاقة المتجددة وتصنيع المعدات المتطورة، وغيرها من التطبيقات التكنولوجية والتقنيات. وعلى سبيل المثال أيضًا، إكمال تشكيل شبكة نظام الملاحة الفضائية الصيني "بيدو"، الذي جعل الصين تتوقف عن الاعتماد على نظام الملاحة العالمي "جي بي إس"، وبناء محطة الفضاء الصينية، التي وفرت منصة قيمة لاستكشاف الفضاء والبحث العلمي في المستقبل.
ولم تتوقف الصين عن استكشاف القمر والمريخ.. بل أخذت زمام المبادرة في صياغة المعايير الدولية لأول نظام طاقة متجددة في العالم والبنية التحتية لبناء السكك الحديدية فائقة السرعة بفضل التكنولوجيا الرائدة لها في هذه المجالات.
ومع تطور التكنولوجيا الرقمية، باعتبارها محرك الابتكار للثورة الصناعية الرابعة، عززت التكنولوجيا الناشئة -بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء- تطوُّرَ الاقتصاد الرقمي الصيني.
ففي عام 2021 تجاوز حجم الاقتصاد الرقمي الصيني 45 تريليون يوان، ليحتل المرتبة الثانية في العالم، ووصل متوسط معدل نمو الاقتصاد الرقمي بين عامي 2012 و2021 إلى 15.9%.
وقد طرحت الصين مفهوم "مجتمع مصير مشترك للبشرية"، ودعت إلى التنمية المشتركة في العصر الرقمي، حتى تتمكن البلدان النامية من تقاسم مكاسب التنمية الرقمية في العصر الرقمي.
ففي عام 2017، أطلقت الصين ومصر والإمارات مبادرة التعاون الدولي للاقتصاد الرقمي على طول "الحزام والطريق" لدفع التعاون في التحول الرقمي والاستثمار في تكنولوجيا الاتصالات.
وفي عام 2019، وقّعت الصين ومصر مذكرة تفاهم حول تعزيز التعاون في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لدفع التعاون في بناء البنية التحتية للمعلومات والاتصالات والبيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي.
ودخلت مزيد من شركات التكنولوجيا الصينية إلى الأسواق العربية.. إذ وقّعت شركة "هواوي" الصينية اتفاقياتٍ تقنية مع أكثر من 10 شركات اتصالات في دول الشرق الأوسط، منها الكويت والإمارات والسعودية والبحرين، وغيرها من الدول، لبناء شبكات الجيل الخامس.
كما وقّعت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية، عام 2020، مذكرة تفاهم مع شركة هواوي الصينية، سعيًا إلى تعزيز الاقتصاد الرقمي والنظام الإيكولوجي وتوطين التقنيات وفق أحدث المعايير العالمية.
وفي يونيو الماضي، تم إطلاق خدمات الحوسبة السحابية من قبل الشركة السعودية للحوسبة السحابية بالتعاون مع شركة "علي بابا" الصينية بالعاصمة السعودية.
يدفع الابتكار العلمي والتكنولوجي تطوير الصناعات الناشئة، ويعزز الارتقاء بالصناعات التقليدية، ويعد أساسا لبناء المشاريع الكبرى، فالإنجازات التنموية التي أحرزتها الصين خلال السنوات الماضية لا تنفصل عن الابتكار العلمي والتكنولوجي، ولا تزال تنمية الصين بحاجة إلى الابتكار المستمر في المستقبل لتحقيق التحول الاقتصادي. وفي الوقت نفسه، تستعد الصين لتعزيز الانفتاح والتعاون العلمي والتكنولوجي وتعزيز بناء "مجتمع مصير مشترك للبشرية" مع دول العالم.. تماما مثلما أكد الرئيس الصيني شي جين بينج أن "الإنجازات العلمية والتكنولوجية يجب أن تفيد البشرية جمعاء، بدلا من استخدامها كوسيلة لتقييد واحتواء تنمية الدول الأخرى".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة