يجري كل ذلك وسط هشاشة كل من العراق وإيران، فالعراق يعاني من الفراغ السياسي وإيران تعاني من آثار فيروس كورونا والعقوبات الأمريكية
يتمزق العراق بين صواريخ أمريكا والنفوذ الإيراني ويشعر بالشلل التام، نتيجة لخلط الأوراق ببعضها، مع تحوله إلى ساحة حرب للآخرين. يحفر هذا الهاجس عميقا في الجسد العراقي، ويربك العملية السياسية المتصدعة أصلا، في ظل الصراع الأمريكي الإيراني على أرضه. فهل هناك حل يلوح في الأفق؟ وهل من خطوات لحفظ سلامة الأراضي العراقية من الدمار؟
تسعى أمريكا إلى تحجيم الدور الايراني، ليس في العراق، بل في المنطقة كلها، وهذا ما يخلق توترا عاليا لا يمكن الاستهانة به، ولعل أكثر ما تخشاه أمريكا أن تنأى إيران بنفسها، وتترك مهمة الدفاع عنها بيد أذرعها من المليشيات الموالية لها بعد أن ربطت العراق بمكانتها الإنتاجية: الكهرباء، المواد الغذائية والاستهلاكية، (التبادل التجاري قد يصل إلى 20 مليار دولار سنويا)، يأتي ذلك كله على إيقاع الاحتجاجات الشعبية وثورة تشرين، كموسيقى خفيّة في المشهد السياسي العراقي، حيث يعيش العراق حالة جمود لا يُحسد عليه، فلا يزال منصب رئيس الوزراء شاغرا، رغم ترشيح عدنان الزرفي لهذا المنصب، الذي عيّنه بول برايمر كمحافظ للنجف، وقد يكون ذلك بمثابة انقلاب على القوى الأخرى.
وإذا ما تقلد منصب رئيس وزراء العراق، فسيكون ذلك انعطافة كبيرة في السياسة العراقية. لكن تبقى الموافقة عليه من قبل الأحزاب المتحكمة والبرلمان رهن الانتظار والتحرك في الكواليس، ولا شيء ملموس في الأفق من شأنه أن يحل الأزمة المستعصيّة منذ شهور، ولم ينجح رئيس الجمهورية في ترشيح شخصية تتفق عليها كل أطراف العملية السياسية، لأنها تريد شخصية تضمن مصالحها ولا تجرؤ على محاسبة شبكات الفساد التي تضع العصي في دواليب أي مشروع إصلاحي، كما أن جميع الشخصيات التي تم ترشيحها لا تعير بالا إلى المطالب الشعبية التي ينادي بها شباب ثورة تشرين في ساحات الاعتصام الذين قدموا آلاف الشهداء والجرحى من دون أن يفكر بهم أحد.
يعيش العراق أوضاعا سياسية هشّة، وهو غير قادر على حماية أجوائه، ولا أرضه، بسبب نقص التسليح والخبرة والمعلومة والانشقاق بين المكونات العراقية، وحائر في مواقفه وتحالفاته بين أمريكا وإيران.
وعلى إيقاع هذا المشهد، بات واضحا أن الولايات المتحدة من خلال ضرباتها الأخيرة لمقرات حزب الله العراقي تهدف إلى تصفية البؤر المؤيدة لإيران، من المليشيات المسلحة، الخارجة عن نطاق الدولة العراقية، رغم أن بعضها شريك في إدارة دفة الحكم، بعد أن صنفتها تنظيمات إرهابية، تعمل إيران على تأليبها ضد الوجود الأمريكي في العراق في المطالبة بانسحابها، لكن أمريكا تتذرع بأنها باقية من خلال اتفاقيات رسمية مع العراق، وأنها تحارب ظهور فلول داعش من جديد.
وتتعاطف مع التواجد الأمريكي ثلاث قوى تعد أمريكا حامية لها وهي: السنة والأكراد والمحتجون الشعبيون. وفي الوقت ذاته يتمنى دونالد ترامب الخروج من العراق، من أجل استخدام الانسحاب كورقة لناخبيه من دافعي الضرائب، لكنه في الوقت ذاته، لا يريد ترك المليشيات تلعب على هواها في الساحة العراقية.
يجري كل ذلك وسط هشاشة كل من العراق وايران، فالعراق يعاني من الفراغ السياسي، وإيران تعاني من آثار فيروس كورونا والعقوبات الأمريكية وتداعياتها السياسية.
والسؤال الملح: ما هي نتائج الصراع الأمريكي الإيراني على أرض العراق؟ الولايات المتحدة، بما لديها من هيمنة، قادرة على استهداف أي موقع أو أي قائد من قادة المليشيات كما فعلت مع قاسم سليماني ومهدي المهندس، فهي "حرب قواعد" بين أمريكا والعراق، حيث فاجأت الضربات الجوية الأمريكية الأحزاب المتحكمة، مقرات حزب الله في غرب العراق وشرق سوريا، ردا على أحد عشر هجوما شُن منذ 28 أكتوبر على قواعد عسكرية أمريكية تضم جنودا أو دبلوماسيين أمريكيين، وصولا إلى استهداف السفارة الأمريكية المحصّنة في المنطقة الخضراء.
وأدت تلك الضربات إلى عزل هذه المليشيات وحصرها في زاوية، بفضل ما تمتلكه من دعم لوجستي ومعلومات استخبارية دقيقة في العراق لا يمتلك أي غطاء جوي. ولا تزال الولايات المتحدة تتوعد المليشيات الموالية لإيران في كل من العراق وسوريا بمزيد من الضربات، وتعتزم إرسال آلاف الجنود إلى الشرق الأوسط، ما يعكس استعداد أمريكا لمواجهة عسكرية شاملة مع إيران، يكون العراق المتضرر الأول فيها، في ظل وجود مليشيات مسلحة تعمل خارج الأطر القانونية، وترتبط بأجندات معينة، ولها مكاتبها الاقتصادية، ولا يمكن لأحد المساس بها.
يعيش العراق أوضاعا سياسية هشّة، وهو غير قادر على حماية أجوائه، ولا أرضه، بسبب نقص التسليح والخبرة والمعلومة والانشقاق بين المكونات العراقية، وحائر في مواقفه وتحالفاته بين أمريكا وإيران.
هل يتوقف الرّد الأمريكي أم يتوسع إلى أكثر من هذا النطاق؟
ثمة نذر مواجهة شاملة بينهما على الأبواب. وهذا ما لا يمكن التنبؤ به في الوقت الحاضر، مع احتمال مجيء المرشح الجديد لرئاسة الوزراء عدنان الزرفي، المؤيد المتحمس للسياسة الأمريكية في العراق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة