العقوبات والحصار الاقتصادي على ما يبدو سيكونان سلاح القرن الحادي والعشرين الفعال، والأسلم، والأقل تكلفة
العقوبات والحصار الاقتصادي على ما يبدو سيكونان سلاح القرن الحادي والعشرين الفعال، والأسلم، والأقل تكلفة. غير أن هذا السلاح تحتكره في نهاية الأمر دولة واحدة، هي الولايات المتحدة الأمريكية فقط؛ وغني عن القول أن دول العالم بلا استثناء تخاف هذا السلاح وتخشاه، لأن مفعوله في نهاية الأمر تدميري بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ صحيح أنه يحتاج زمنا ليؤتي أُكله، إلا أنه في النهاية يحقق الأهداف والغايات التي تحققها القوة المسلحة. ربما أن ثمة دولا مثل كوريا الشمالية وفنزويلا استطاعت أن تتمرد على هذا السلاح وتقاوم تبعاته، إلا أنها تعيش، ويعيش أفراد شعبها عند مستوى الكفاف، وعلى حافة الفقر، وتكبلها العزلة عن بقية العالم في كل المستويات، وستضطر يوما ما في المستقبل إلى الرضوخ ومواكبة العالم.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن سلاح العقوبات الاقتصادية هو الذي سيصبغ حروب القرن الحادي والعشرين، لكنها حروب بلا دماء
وفي تقديري أن تجربة إيران هي أفضل مثال على ما أقول، فهي دولة تعيش بسبب هذه العقوبات خارج العصر، وتعاني أشد المعاناة من علل اجتماعية وأخلاقية وجرائم تتفاقم مع مرور الزمن، ومن يراقب أوضاعها يجد أنها تتجه مع كل يوم جديد إلى الأسوأ، كما أن شرعية بقائها تتآكل يوما بعد يوم، بالشكل الذي سيقضي في نهاية الأمر على هذه الشرعية قضاء مبرما؛ فالقمع والديكتاتورية قد ينجحان في بقاء الدول، شريطة أن تكون معدلات النمو الاقتصادي مقبولة، كما في الصين مثلاً، لكن القمع واليد الفولاذية إذا لم يواكبهما نمو اقتصادي فنهايتهما حتمية، طال الزمن أو قصر. ولا يمكن في هذا العصر تحقيق تنمية اقتصادية إلا بالاعتماد على التبادل التجاري، فإذا تم "حصار" الدولة اقتصاديا تعذّر النمو، وابتدأت مسيرة الانهيار.
والعقوبات الاقتصادية لم تكن بهذا القدر من القوة والفاعلية والتأثير أثناء الحرب الباردة، في زمن كان فيه الاتحاد السوفيتي والمعسكر الشرقي قائمين، لكنها أصبحت الآن سلاحا تدميريا فتاكا بعد أن أصبحت الولايات المتحدة هي القطب الأقوى الأول في العالم، وأصبح الدولار يسيطر على الجزء الأكبر من التبادلات التجارية بين الدول، بشكل يجعل الانفكاك من الدولار في الحوالات واعتمادات التجارة العالمية شبه مستحيل. وقد انتهج الرئيس ترامب نهجا جديدا جعل آلية المقاطعة والحصار أقوى وأكثر فاعلية، بعد أن ألزم جميع دول العالم والشركات الكبرى والصغرى التقيد بالمقاطعة، ومن لم يلتزم، أو قل من يتمرد على هذه المقاطعة، فسوف تشمل العقوبات كل منتجاته.
وقد رأينا كيف أن نظام البشير في السودان سقط بعد أن أنهكته العقوبات، مع أنه "عاند" وحاول الصمود، لكنه في النهاية انهار انهيارا كاملا، أما إيران فلا تزال تقاوم على أمل أن يسقط الرئيس ترامب في الانتخابات، غير أن بنيتها الاقتصادية من الداخل مهترئة، وارتفاع معدلات التضخم وانهيار القوة الشرائية لعملتها يزيد الطين بللاً، وهي بكل تأكيد سيكون مصيرها مصير السودان حتما.
كل ما أريد أن أقوله هنا إن سلاح العقوبات الاقتصادية هو الذي سيصبغ حروب القرن الحادي والعشرين، لكنها حروب بلا دماء.
إلى اللقاء
نقلاً عن "الجزيرة السعودية"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة