معركة "التطويق".. صراع "الجيوسياسية" المحتدم بين واشنطن وبكين
بين "تطويق تايوان" و"تطويق بكين"، يحتدم صراع جيوسياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
صراع تحاول من خلاله الصين ردع النفوذ الأمريكي ووقف الدعم لتايوان عبر تنفيذ مناورات "ضرب طوق" حول الجزيرة التي تعتبرها واحدا من أقاليمها، فيما تسعى واشنطن إلى تطويق الصين نفسها عبر علاقات قوية مع دول الجوار تسمح لها بتنسيق سياسي مستمر، وعسكري حال استدعى الأمر.
- ماكرون يتمرد على "الإيقاع الأمريكي".. جمر أوكرانيا يلطف أزمة تايوان
- المناورات حول تايوان.. رسائل صينية للداخل والخارج وعين أمريكية تراقب
مساعٍ أمريكية
وفي ظل مساعي واشنطن نحو هدفها، يتوجّه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في نهاية الأسبوع إلى كلّ من فيتنام واليابان، في جولة تأتي في خضمّ توترات مع الصين بشأن تايوان، بحسب ما أعلنته واشنطن، الإثنين.
وسيتوقف بلينكن في العاصمة الفيتنامية هانوي، قبل أن يتوجه لحضور اجتماع لوزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في كارويزاوا في اليابان.
ويمتد اجتماع وزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع من 16 إلى 18 أبريل/نيسان، بحسب ما قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان.
وأضافت الخارجية الأمريكية أنّ "بلينكن سيناقش في العاصمة الفيتنامية رؤيتنا المشتركة لأن تكون منطقة المحيطين الهندي والهادئ منطقة تتّسم بالازدهار والسلام".
وكانت العلاقات بين الولايات المتحدة وفيتنام تعزّزت في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في المجالين العسكري والاقتصادي، إذ تصالح البلدان رغم ندوب الحرب.
وأكد مساعد وزير الخارجية لشؤون جنوب-شرق آسيا دانيال كريتنبرينك على أن الزيارة ستعكس "الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل".
وشدّد المتحدث كذلك على التطابق التام في وجهات النظر بين واشنطن وهانوي حول المستقبل الذي تريدانه لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وعلى وجوب "ألا تتنمّر البلدان الكبرى على البلدان الأصغر"، في تلميح إلى الصين التي يسود التوتر العلاقات بينها وبين هانوي.
وسيطلق بلينكن، في أول زيارة إلى فيتنام منذ تولّيه منصبه قبل عامين، أعمال بناء سفارة جديدة للولايات المتحدة في هانوي.
وتأتي زيارة بلينكن إلى آسيا، التي جائت بعد زيارة سابقة لنائبة الرئيس كامالا هاريس، وسط توترات مع الصين بشأن تايوان.
وسعت الولايات المتّحدة التي طلبت من بكين "ضبط النفس"، إلى عرض قوة أيضاً، ونفذت المدمرة الأمريكية "ميليوس"، الإثنين، عملية تندرج في إطار "حرية الملاحة" في منطقة من بحر الصين الجنوبي تطالب بها بكّين، وندّدت الصين على الفور بهذا "التوغّل".
ومن جانبها، أمرت اليابان بـ"تحليق طائرات مطاردة في الأيام الأخيرة ردّا على إقلاع طائرات من حاملة الطائرات الصينية شاندونغ والعودة إليها عليها.
ومن المقرر أن يلتقي بلينكن ووزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع نظيريهما الفيلبينيين في واشنطن، الثلاثاء.
ووقّعت الفيليبين والولايات المتحدة مؤخرًا اتفاقاً يسمح للقوات الأمريكية باستخدام 4 قواعد عسكرية إضافية في الفيليبين، ما أثار غضب بكين.
وسيسافر بلينكن إلى هانوي من إيرلندا، حيث سيرافق الرئيس جو بايدن الذي يزور إلى هذا البلد وبريطانيا من 11 وحتى 14 أبريل/ نيسان، ويتوقف في أيرلندا الشمالية بمناسبة الذكرى الـ25 لاتفاقية السلام.
انحسار نفوذ واشنطن
وفيما يعد خسارة جديدة للنفوذ الأمريكي بأوروبا، جاءت كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بشأن ضرورة عدم اتباع أوروبا السياسة الأمريكية بشأن تايوان، بسبب المخاطر التي تواجهها أوروبا في الصراع.
التصريحات جاءت في أعقاب زيارة رسمية للصين استمرت 3 أيام، يبدو من خلالها أن الصين نجحت في تنبيه الرئيس الفرنسي لمخاطر هذا الصراع وعواقبه، حال وقوعه.
وقال ماكرون في مقابلة أجريت يوم الجمعة ونشرتها صحيفة "لي إيكو" الفرنسية الإثنين، إن "أسوأ شيء هو الاعتقاد بأننا نحن الأوروبيين يجب أن نصبح أتباعا في هذا الموضوع وأن نأخذ إشارتنا من الأجندة الأمريكية ورد الفعل الصيني المبالغ فيه".
وأضاف ماكرون: "ينبغي على أوروبا تجنب الوقوع في فخ التورط في أزمة أجنبية"، موضحا أن "أوروبا واجهت خطر أن تصبح تابعا بين الولايات المتحدة والصين، في حين أنه بإمكانها أن تصبح بدلا من ذلك قطبا ثالثا".
وأثارت تصريحات الرئيس الفرنسي رد فعل ساخن في ألمانيا من مختلف الأطياف السياسية.
وقال نوربرت روتجن المتحدث باسم السياسة الخارجية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ المعارض لصحيفة بيلد واسعة الانتشار "يبدو أن ماكرون فقد صوابه"، واتهمه بـ"تقسيم وإضعاف أوروبا بخطاب ساذج وخطير".
فيما قال بيجان دجير ساراي الأمين العام للحزب الديمقراطي الليبرالي وهو شريك صغير في الائتلاف الحكومي إن "الموقف الذي اتخذه ماكرون لا يمثل استراتيجية سليمة لأوروبا، إذ ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا العمل معا".
وفي سياق متصل، قال ميتن هاكفيردي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي ينتمي إلى يسار الوسط بزعامة المستشار أولاف شولتز: إنه "من الخطأ الجسيم أن نسمح لأنفسنا كغرب بأن نكون منقسمين في تعاملنا مع بكين".
الصين تتم "التطويق"
يأتي هذا فيما أعلنت بكين، الإثنين، أنّها أتمت "بنجاح" مناوراتها العسكرية في مضيق تايوان والتي استمرت 3 أيام بهدف محاكاة "ضرب طوق" حول الجزيرة المتمتعة بحكم ذاتي وتعتبرها الصين واحدا من أقاليمها.
تلك المناورات التي بدأت، السبت، احتجاجا على لقاء جمع، الأربعاء الماضي، في كاليفورنيا رئيسة تايوان تساي إنغ-وين مع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفن ماكارثي.
وأوضحت قيادة الجيش الصيني في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي أنّه "من الثامن من أبريل/نيسان إلى العاشر منه أنجزت القيادة الشرقية بنجاح مهام مختلفة في إطار دوريات الجهوزية على الحرب في محيط تايوان وفي إطار مناورات السيف المشترك".
وأضافت القيادة أنّها "اختبرت بشكل كامل قدرات القتال المشتركة المتكاملة لفروع عسكرية متعدّدة في ظروف قتال فعلية".
وفور انتهاء المناورات، اتّهمت وزارة الخارجية التايوانية الصين بـ"تقويض السلام والاستقرار في المنطقة".
وأعلنت تايبيه أنّها رصدت 12 سفينة و91 طائرة صينية في محيط الجزيرة الإثنين الساعة 18,00 (10,00 ت غ)، وأكّدت وزارة الدفاع أنّ "الجيش لن يتهاون أبدا في جهوده الرامية لتعزيز جهوزيته للمعركة".
وأفاد الجيش الصيني أنّ هدف المناورات هو محاكاة "تطويق كامل" للجزيرة، ولا سيّما من خلال فرض "حصار جوي"، وفق تلفزيون "سي سي تي في" الحكومي الصيني.
وأوضحت قيادة المنطقة الشرقية في الجيش الصيني أن حاملة الطائرات "شاندونغ"، شاركت في مناورات، الإثنين. وتملك الصين حاملتي طائرات فقط.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قامت طائرات مطاردة وسفن حربية بمحاكاة عمليات قصف محدّدة الأهداف في الجزيرة.
وقال المتحدث باسم الجيش الصيني شي يي إن "المناورات تحذير جدّي إزاء التواطؤ بين القوى الانفصالية الساعية إلى استقلال تايوان والقوى الخارجية وإزاء أنشطتها الاستفزازية أيضاً".
ومن جانبها، قالت وزارة الدفاع التايوانية إنها رصدت 9 سفن حربية و26 طائرة صينية في محيط الجزيرة، الثلاثاء، غداة إعلان بكين نهاية مناوراتها العسكرية الواسعة.
وأضافت الوزارة أن "الصين حشدت طائرات عسكرية هذا الصباح (الثلاثاء) وعبرت خط الوسط من الشمال والوسط والجنوب"، مشيرة إلى أن "السفن رُصدت قرابة الساعة 11,00 بالتوقيت المحلي (الساعة الثالثة ت غ)
ويعود آخر انتشار كبير حول الجزيرة إلى أغسطس/آب حين قامت الصين بمناورات عسكرية غير مسبوقة حول تايوان أطلقت خلالها صواريخ، وذلك ردّاً على زيارة قامت بها رئيسة مجلس النواب الأمريكي حينها الديمقراطية نانسي بيلوسي للجزيرة.
دعم روسي للصين
وفيما أثارت التدريبات تنديداً من الولايات المتحدة التي دعت إلى "ضبط النفس"، مع نشرها مدمّرة في المياه التي تطالب بكين بالسيادة عليها، حصلت التدريبات التي شاركت فيها حوالى 10 سفن حربية و70 طائرة، على دعم سياسي ضمني من روسيا.
وقال الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، الإثنين، إنّ "الصين تملك حقّا سياديا في التحرّك ردّاً على التصرفات الاستفزازية (الأمريكية) ولا سيّما عبر إجراء مناورات".