بقي وحيدا يراقب الركام.. عندما سرق الزلزال عائلة "نضال" أمام عينيه
أمام هول الكارثة التي ضربت مدناً تركية، و4 محافظات سورية، لا يخلو شارع مر عليه الزلزال من مئات الحكايات الحزينة لأشخاص فقدوا أسرهم، أو خسروا منازلهم، أو جلسوا ينتظرون أياماً لمعرفة مصير العالقين تحت الأنقاض.
نضال حرب، شاب في الثلاثين من عمره، فقد أمه وشقيقته، جراء انهيار البناء الذي يعيش فيه في جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية غربي البلاد، ليبقى وحيداً، يطلق عليه صفة ناجٍ، بينما تكشف تفاصيل حياته بعد الكارثة أن النجاة لا تتعلق فقط بالبقاء على قيد الحياة.
يروي الشاب الذي كان يستعد للزواج قبل أن تقع الكارثة، لـ"العين الإخبارية"، تفاصيل تلك الدقيقة المفجعة، يقول: "كنا في المنزل، أنا وشقيقتي رشا وأمي، وبينما كنا نياما اهتز المنزل بعنف فركضت باتجاه الباب لأفتحه وأخرج عائلتي، لم أتمكن من فتحه، تسبب الاهتزاز بإغلاقه، فركضت باتجاه الشرفة طلباً للعون، كنت أصرخ بأعلى صوتي ساعدونا وافتحوا لنا الباب".
يصمت نضال برهة مستذكراً تلك اللحظة، قبل أن يتابع: "صرخت طلباً للمساعدة، كان البناء ينهار بشكل تدريجي، لم يتمكن أحد من الاقتراب، نظرت خلفي، كانت أمي تجلس بصمت، وأختي تحدّث زوجها على الهاتف، فجأة بدأت الجدران تهوي، وسقط المبنى بنا خلال عشرين ثانية دفعة واحدة".
كان نضال وعائلته يعيشون في الطابق الرابع، لم ينج من عائلته إلا هو، يقول الشاب المفجوع: "لا أعرف كيف حدث الأمر، وجدت نفسي مستلقياً على الأرض ويدي عالقة تحت ركام المبنى، بينما فقدت أختي وأمي حياتهما أمام ناظري وعلى بعد متر واحد فقط".
بعد أن تمكن من سحب يده، حاول نضال في البداية رفع بعض الركام، بدأ يطلب العون، ونشر عشرات المنشورات على صفحته على موقع "فيسبوك" يطلب النجدة أملاً بإنقاذ شقيقته وأمه، كان الأمل ضئيلاً بعد أن رأى الجدران تنهار فوقهما لحظة انهيار المبنى.
توفيت رشا وأمها، وتم إخراج جثمانيهما من تحت الأنقاض ودفنهما في مقبرة الفيض في جبلة، وتم إسعافه هو الآخر وتضميد بعض جراحه، ووضع جبيرة ليده.
مكث نضال في اليوم الأول في ملعب جبلة مع عدد كبير من المتضررين، قبل أن يتنقل بين منازل الأقرباء والأصدقاء، الذي التفوا حوله وحاولوا التخفيف من آلامه، يقول أحد أصدقائه الذي شاهده بعيد وقوع الحادثة: "كان نضال في وضع معنوي سيئ، لا يمكننا أن نتخيل ما كان يشعر به، مصابه كبير، لم يخسر عائلته فحسب، بل خسرها أمام عينيه، كان يفصله عن أمه وأخته أقل من متر واحد، لا يستطيع أحد في العالم أن يفعل شيئاً في مثل هذه الظروف".
يرفض نضال التقاط صورة له، يقول بحرقة: "كانت شقيقتي تستعد للسفر إلى زوجها الذي يعيش في كندا، حيث عقدا قرانهما قبل فترة، وكانت قد حجزت مسبقاً للنزول خلال الأسبوع الذي حدث فيه الزلزال إلى اللاذقية لإحضار فستانها الأبيض الذي نال إعجابها قبل فترة".
يصمت برهة، يمنع دموعه من الانهمار، ويقول: "كنت أستعد أنا وخطيبتي للزواج، والسكن في منزلنا مع والدتي، كنا عائلة سعيدة، نخطط حياتنا في هذا المنزل، الآن كل شيء انتهى"، ويتابع: "كأن الأمر حلم جميل وانتهى بكابوس سيرافقني طيلة عمري، لا أجد كلمات تعبر عما أشعر".
وتعرضت جبلة لأضرار بالغة جراء الزلزال، حيث انهار وتضرر عدد كبير من المباني، الأمر الذي تسبب بوفاة نحو 300 شخص، وفق إحصاءات غير نهائية، بالإضافة إلى إصابة نحو 170 شخصاً، بينما تمكنت فرق الإنقاذ من إخراج بعض العالقين تحت الأنقاض، آخرهم 4 أشخاص يوم الجمعة الماضي، ولا تزال عمليات انتشال جثث الضحايا مستمرة.
وتسببت الأضرار الكبيرة في المباني بتشريد الآلاف الذين توزعوا على عدد من مراكز الإغاثة المؤقتة، وفي بعض المساجد والكنائس، في وقت استضافت فيه الكثير من العائلات أقرباء لها، حيث تعمل مؤسسات حكومية وعدد من المنظمات بالإضافة إلى عدد من الناشطين على تأمين مواد إغاثية ومعيشية لهم.
ولا تزال المباني المدمرة شاهدة على حجم الكارثة التي حلّت بـ4 محافظات سورية، في وقت تستمر فيه عمليات تقييم الأضرار وإخلاء مبان متضررة، بينما تمتلئ الجدران في الشوارع بأوراق النعي، ومواقع التواصل الاجتماعي بنشاطات إغاثية يحاول سوريون تنفيذها للتخفيف عن الناجين، وتأمين ما يمكن تأمينه من مستلزماتهم.
لم يقم نضال عزاء لعائلته حيث اكتفى بقبول التعازي عبر الهاتف مثله مثل كثيرين وجدوا أنفسهم جزءاً من كارثة كبيرة، الجميع مصاب والجميع يعزي والجميع يتلقى العزاء في الوقت ذاته، الأمر الذي يمكن أن تشرحه نظرة على عدد الأبنية التي تهاوت أو تضررت بشكل بالغ، أو عدد المشردين الذين فقدوا بيتهم، وأحبتهم.
يسير نضال في شوارع مدينته المنكوبة جبلة، يراقب الأبنية المهدمة، وعمليات إنقاذ من يمكن إنقاذه، يقول بصوت مبحوح: "كل من مات في هذه الكارثة شهيد"، ويتابع: "أنا الآن وحيد، شقيقتي وأمي كانتا هما عائلتي، ذهبت العائلة والبيت الذي كان يجمعنا خلال لحظة".
ويضيف: "كلمات شقيقتي الأخيرة في حياتها كانت لزوجها البعيد الذي كان ينتظرها في النصف الآخر من العالم، أما أمي فاختارت الصمت، وقدري أن أكون شاهداً على كل ذلك".
aXA6IDE4LjExNy45OS4xOTIg جزيرة ام اند امز