«عطش الذكاء الاصطناعي».. أوروبا تواجه أزمة مياه تهدد خططها الرقمية

تواجه استراتيجية الذكاء الاصطناعي الطموحة في أوروبا خطر الاصطدام بقضية بيئية غالبا ما تُغفل، لكنها بالغة الأهمية، وهي ندرة المياه.
ويخطط الاتحاد الأوروبي لتوسيع مراكز البيانات، إذ أعلن في أبريل/نيسان نيته مضاعفة سعتها 3 مرات على الأقل خلال السنوات الخمس إلى السبع المقبلة، في إطار سعيه لأن يصبح مركزا عالميا للذكاء الاصطناعي.
وأثار الانتشار السريع لمراكز البيانات، التي تشغل جميع جوانب الاقتصاد الرقمي -من وسائل التواصل الاجتماعي والخدمات المصرفية عبر الإنترنت إلى أدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT- قلقا متزايدا، لا سيما في المناطق التي تعاني بالفعل من ندرة المياه.
وتعد هذه المشكلة حادة على وجه الخصوص في جنوب أوروبا، حيث يقدّر أن نحو 30% من السكان يعيشون في مناطق تعاني من شح مائي دائم، وهو وضع يتجاوز فيه الطلب على المياه الإمدادات المتاحة خلال فترة زمنية محددة.
وتحتاج مراكز البيانات عادة إلى كميات كبيرة من المياه للحفاظ على درجات حرارتها المنخفضة وضمان استمرار عملها بكفاءة.
فعلى سبيل المثال، استثمرت شركات التكنولوجيا الكبرى مثل أمازون ومايكروسوفت وميتا مليارات الدولارات في إنشاء مرافق جديدة في إسبانيا، بينما تخطط غوغل لتطوير 3 مراكز بيانات في منطقة أتيكا باليونان.
وصرح كيفن جريكش، الأستاذ المشارك في علوم وسياسات وإدارة المياه بجامعة أكسفورد البريطانية، لشبكة CNBC، بأن خطط بناء مراكز بيانات في المناطق التي تعاني من شح المياه في أوروبا تعكس غياب التفكير المتكامل لدى صانعي السياسات.
وقال جريكش: "الذكاء الاصطناعي هو المصطلح الرائج وحديث الساعة، لذلك يحاول السياسيون الوطنيون والإقليميون الاستفادة منه. يبدو أنهم يستثمرون في المستقبل ويخلقون بعض الوظائف الجديدة، لكن الاستدامة أصبحت فكرة ثانوية".
وأضاف أن الانتشار السريع لمراكز البيانات في أنحاء القارة يطرح أسئلة لم يجب عنها أحد بعد، مثل: بما أن إمدادات المياه العامة لها الأولوية في معظم الدول، فماذا سيحدث إذا اضطرت السلطات إلى إغلاق مراكز البيانات في حال الجفاف؟ وأقر بأنه لا يمتلك إجابة واضحة على هذا الاحتمال.
وأوضح جريكش أن مراكز البيانات تبنى عادة في مناخات قاحلة أو شبه قاحلة لأن تلك البيئات مثالية للخوادم، إلا أن هذه المناطق نفسها تكون عرضة لندرة المياه أو موجات الجفاف أيضا.
من جانبه، صرح متحدث باسم المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، بأن سياسات المبادرة الأوروبية المشتركة للحوسبة عالية الأداء (EuroHPC JU) تراعي اختيار مواقع استضافة مراكز الذكاء الاصطناعي وفق معايير تعطي الأولوية لكفاءة الطاقة والاستدامة البيئية.
وأضاف المتحدث لشبكة CNBC: "سيستمر السعي نحو الحوسبة الخضراء من خلال حواسيب عملاقة موفرة للطاقة ومحسنة للذكاء الاصطناعي، باستخدام تقنيات مثل التوفير الديناميكي للطاقة وإعادة الاستخدام، بما في ذلك التبريد المتقدم وإعادة تدوير الحرارة الناتجة".
وأشار الاتحاد الأوروبي إلى الحاسوب العملاق الجديد "جوبيتر" في يوليش بألمانيا بوصفه مثالا بارزا على التميز الأوروبي في كفاءة الطاقة، موضحا أن النظام يعمل بالكامل بالطاقة المتجددة ويعتمد على تقنيات تبريد وإعادة استخدام متطورة.
وفي أراغون شمال شرق إسبانيا، وهي منطقة تعاني من شح مائي حاد، تخطط أمازون لافتتاح ثلاثة مراكز بيانات جديدة، ما أثار توترات بين المزارعين المحليين والناشطين البيئيين، رغم وعود الشركة الأمريكية العملاقة بتوفير آلاف الوظائف.
وفي المملكة المتحدة، اختيرت قرية كولهام الإنجليزية الصغيرة كأول "منطقة نمو للذكاء الاصطناعي" تطلقها الحكومة البريطانية. وقد أثار اختيار موقع أوكسفوردشاير، القريب من أحد أول خزانات المياه الجديدة في البلاد منذ 30 عاما، مخاوف من زيادة الضغط على الإمدادات المائية المحلية.
وقال نيك كرافت، كبير المحللين في مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، إن المناطق "الجافة للغاية" التي تعاني من مستويات مرتفعة من شح المياه تستهدف في جميع أنحاء أوروبا لمزيد من تطوير مراكز البيانات.
وأوضح كرافت لشبكة CNBC أن ما يزيد الأمر تعقيدا هو أن الفهم الشائع لاستخدام المياه في مراكز البيانات -وما تعلنه الشركات عادة عند التواصل مع أصحاب المصلحة المحليين- يقتصر على المياه المستخدمة في الموقع، أي تلك المخصصة للتبريد، في حين أن أكثر من نصف البصمة المائية لهذه المراكز يقع خارج الموقع، في قطاعات مثل توليد الطاقة وتصنيع أشباه الموصلات.
وأشار كرافت إلى وجود دلائل متزايدة على نضج مشغلي مراكز البيانات في إدارة مواردهم المائية، لكنه حذر من أن تقييم البصمة المائية الكاملة لتلك المشاريع سيظل تحديا كبيرا في المستقبل القريب.
وأظهر تحليل نشرته شركة S&P Global الشهر الماضي أن متوسط تعرض قطاع مراكز البيانات لضغوط المياه من المتوقع أن يكون مرتفعا خلال عشرينيات القرن الجاري، خاصة في دول جنوب أوروبا مثل إسبانيا واليونان، حيث يتوقع أن تواجه أكبر الضغوط المائية.
من جهته، قال مايكل وينترسون، الأمين العام للرابطة الأوروبية لمراكز البيانات (EUDCA)، إن استهلاك المياه يمثل مصدر قلق حقيقيٍ للقطاع، وإن معالجتها وجمعها أصبح أمرا طبيعيا الآن، مشيرا إلى ابتكارات متواصلة تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، وتقترب بسرعة من الوصول إلى مستوى شبه صفري في المعالجة الكيميائية.
وأضاف وينترسون أن "الخطوة الكبيرة القادمة" التي تسعى إليها الرابطة في أوروبا — والتي تتخلف فيها المنطقة عن الولايات المتحدة — هي استخدام مياه غير صالحة للشرب لأغراض صناعية، ما يُقلل الحاجة إلى الطاقة والمواد الكيميائية، ويُحافظ على مياه الشرب لاستخدامها الأساسي.
وفي المقابل، يؤكد العديد من مشغلي مراكز البيانات أن طبيعة تقنياتهم كثيفة الاستهلاك للطاقة هي ما يدفعهم إلى البحث عن حلول أكثر استدامة، مشيرين إلى أنهم يستخدمون فعالية استهلاك المياه (WUE) كمؤشر لقياس كفاءة استخدام المياه، رغم أن لهذا المقياس قيوده الخاصة.
وقد جربت مايكروسوفت تصميم مراكز بيانات لا تستهلك أي مياه للتبريد، بينما أعلنت شركة ستارت كامبوس أن منشأتها في سينيس بالبرتغال تحقق فعالية استخدام صفر مياه من خلال إعادة تدوير مياه البحر عبر أنظمة متقدمة.