لأمن الطاقة والمياه والغذاء.. خطة مصر لمواجهة تغير المناخ
في عالم دائم التطور، أصبح بناء القدرة على الصمود والاستعداد للمستقبل ضرورة مُلحة لحماية الجيل القادم في مواجهة التحديات العالمية.
ومن هذا المنطلق، تأتي قطاعات كل من الطاقة والمياه والغذاء لتُشكل أكثر القطاعات ضعفًا على كوكب الأرض، ومن ثمَّ تنال الاهتمام الأكبر من جانب المجتمع الدولي.
جهود مصر لمكافحة تغير المناخ
على مدى العقدين الماضيين، بذلت مصر جهودًا كبيرة للتخفيف من آثار تغير المناخ، بما في ذلك مضاعفة إنتاجها من طاقة الرياح. ومن أجل التعامل مع الإجهاد المائي المتزايد، استكشفت البلاد أيضًا أنشطة التكيف، مثل بناء محطات تحلية المياه والبنية التحتية للسيطرة على الفيضانات. وكانت أول حكومة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصدر سندات خضراء، وخصصت 750 مليون دولار للإدارة المستدامة للمياه والنقل العام النظيف. منذ قبول دور الدولة المضيفة لمؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP27) ، كشفت مصر عن مجموعة متنوعة من المبادرات المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك خطط لتحويل الوجهة السياحية الشهيرة شرم الشيخ إلى 'مدينة خضراء'.
وظهر أيضًا نهج جديد لتعزيز التعاون الدولي، يجمع بين الموارد من الميزانيات الحكومية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الخيرية، وشركاء التنمية المتعددين الأطراف والثنائيين. وفي هذا الصدّد، تثبت الأمثلة المختلفة من البلاد كيف يمكن لنماذج التمويل لأصحاب المصلحة المتعددين أن تساعد في تحقيق النتائج قبل الموعد المحدد. وبالتالي فنحن في سباق مع الزمن. ففي غضون بضعة أشهر فقط، ستسلم مصر الراية لدولة الإمارات العربية المتحدة لترأس مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP 28) لعام 2023.
ويجري الآن تحقيق أحد موروثات التنفيذ البارزة في مصر وتوسيع نطاقه، حيث حصلت مصر على اتفاقيات تمويل لبرنامج الترابط بين المياه والغذاء والطاقة نُوَفِّـــي (NWFE) بقيمة 14.7 مليار دولار. ويُعد البرنامج نموذجًا قابلًا للتكرار لتعبئة وتوسيع نطاق الاستثمارات المناخية التي يمكن اعتمادها في بلدان أخرى. بحسب ما ذكره المنتدى الاقتصادي العالمي.
- منسقة الأمم المتحدة بمصر: COP28 الأكثر شمولاً في تاريخ مؤتمرات المناخ
- مدير اتفاقية المناخ بالأمم المتحدة لـ"العين الإخبارية": COP28 قمة لتصحيح المسار
المنصة الوطنية المصرية لبرنامج نُوَفِّـــي
أطلقت مصر المنصة الوطنية لبرنامج نُوَفـي Egypt’s Country Platform يوليو2022 كبرنامج وطني يمثل نموذجًا إقليميا فاعلاً ومنهجا للتمويل الميسر للتعامل مع قضايا التكيف والتخفيف والصمود. حيث وضعت مصر إستراتيجية وطنية شاملة لتغير المناخ تشمل أهدافَا رئيسة حتى عام 2050، ومجموعة من المشروعات ذات الأولوية (26 مشروعا) حتى عام 2030، تغطي الركائز الثلاث الرئيسة للعمل المناخي: التخفيف والتكيف والمرونة مع التركيز على الانتقال العادل للاقتصاد الأخضر، من خلال محور العلاقة بين الطاقة والغذاء والماء، حيث يمكن أن يوفر نهجًا فعالًا يركز على الإنسان من أجل معالجة تأثيرات تغير المناخ والعوامل المحركة له.
صمم برنامج نُوَف ي بناء على العلاقة بين أمن الطاقة والمياه والغذاء، حيث أن هناك ارتباطا وثيقًا بين القطاعات الثلاث عبر السياسات المشتركة وكذلك النظم البيئية التي تعتمد عليها الموارد الطبيعية والأنشطة البشرية في نهاية المطاف.
يدمج NWFE نُوَفِّـي مجموعة من المشروعات ذات الأولوية العالية للتكيف والتخفيف بقيمة 14.7 مليار دولار، حيث سيفتح التمويل الحكومي والتمويل الميسر فرصًا واسعة لمشاركة القطاع الخاص.
ومن المقرر تنفيذ مشروعات العمل المناخي هذه في إطار نهج برنامجي. وتشمل مبادرات من شأنها استبدال محطات الطاقة الحرارية الحالية غير الفعالة بالطاقة المتجددة، وتعزيز تكيف صغار المزارعين مع مخاطر المناخ، وزيادة غلات المحاصيل وكفاءة الري، وبناء قدرة المناطق الضعيفة على الصمود، إنشاء أنظمة للإنذار المبكر وتحديث الممارسات على مستوى المزرعة.
وفي هذا السياق، فقد قادت مصر السباق لتعبئة التمويل، والاستفادة من المساعدة الفنية، وتحفيز الاستثمار الخاص من خلال أساليب التمويل المبتكرة، بما في ذلك التمويل المختلط، ومقايضة الديون، والضمانات.
علاوة على ذلك، هناك خطط طموحة قيد التنفيذ لإدخال نظام رائد لائتمانات المرونة؛ حيث تم تصميم هذه الاعتمادات لتوفير دعم قيم للمزارعين، وتمكينهم من تأمين التمويل للممارسات الزراعية المبتكرة والمتجددة التي من شأنها أن تقود التغيير المستدام والتدريجي في الزراعة. وقد اكتسب البرنامج زخمًا كبيرًا خلال إطلاقه في شرم الشيخ، وهناك توقعات كبيرة لتحقيق المزيد من النمو الجوهري في دبي.
الجهات الفاعلة
احتشدت الجهات الفاعلة الدولية والوطنية خلف المشروع الوطني الجديد في مصرفي الأشهر الخمسة عشر الماضية، حيث وحدت الحكومات وشركاء التنمية والقطاع الخاص والوكالات الحكومية الدولية. هذا، وتشمل المنظمات البارزة في هذا التحالف تحالف غلاسكو المالي من أجل الانبعاثات الصفرية، وإتش إس بي سي، وسيتي، والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وبنك التنمية الأفريقي، والبنك الدولي، وأيضًا شركاء دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما.
وقد تم دعم هذا التعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين من خلال إعلان سياسي مشترك أقرته الولايات المتحدة وألمانيا، حيث تعهدت الدولتان بدعم انتقال مصر إلى مسار تنمية منخفض الكربون. ومن خلال الاستفادة من هذا الالتزام، عززت مصر وألمانيا تعاونهما من خلال الدخول في اتفاقية مبادلة الديون في قطاع الطاقة، بقيمة تزيد عن 100 مليون دولار.
الاستثمارات الخاصة
من المتوقع أن يفتح ركيزة الطاقة غير التقليدية (NWFE) ما لا يقل عن 10 مليارات دولار من الاستثمارات الخاصة لتركيب 10 جيجاوات من الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بحلول عام 2028، وإيقاف 5 جيجاوات من محطات الوقود الأحفوري غير الفعالة بحلول عام 2025.
ويتماشى هذا الهدف مع المساهمة المحددة وطنيا المحدثة، التي أعلنتها الحكومة المصرية في يونيو 2023، والتي تعكس التزام البلاد بالانتقال نحو مسار تنمية منخفض الكربون من خلال زيادة تطوير ونشر الطاقة المتجددة للوصول إلى الهدف المتمثل في زيادة القدرة المركبة بنسبة 42% في مزيج الطاقة بحلول عام 2030 بدلاً من عام 2035.
وبفضل هذا المورد العالمي للطاقة المتجددة وقربها من الأسواق الأوروبية والآسيوية، تتمتع مصر بموقع فريد لتحويل قطاع الطاقة لديها وتصبح مركزًا عالميًا للوقود والمنتجات الخضراء.
وتعد هذه المشروعات التمويلية المبتكرة، والتي يدعمها شركاء مختلفون، بمثابة مكونات أساسية لاستراتيجية مصر الأوسع نطاقًا للانتقال نحو مسار تنمية منخفض الكربون، مما يوضح كيف يمكن للنهج التعاوني متعدد أصحاب المصلحة والجهود المركزة أن يحقق طموحات عالية. ومن الممكن رفع هذه المخططات وتحويلها لمساعدة بلدان أخرى.
aXA6IDMuMTM1LjIxNC4xMzkg جزيرة ام اند امز