لا نريد في إعلامنا المرئي عجباً عجاباً، ولا ننادي بمستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفي.
لا يمكن التعميم، لكن حديث الإعلام المرئي في بلادنا حديث موجع، حيث إن هذا الإعلام، من حيث الشكل والمحتوى، لا يمكن أن يرقى إلى ما وصلت إليه المؤسسة الوطنية الإماراتية، خصوصاً السياسية والاقتصادية والحكومية بشكل عام، وهو في الواقع متأخر وحتى متخلف عنها إلى حد بعيد، وإذا بحثنا عن الأسباب، ففي واجهتها النزوع نحو التقليد، وعدم تحديد الفئات المستهدفة، وغير واضح في ذلك أن هذه الوسائل تخاطبنا نحن مرددة قناعاتنا نحن الذين لا نحتاج إلى مزيد إقناع. نشرات الأخبار ضمن سقفها الخفيض والبرامج الحوارية، إذا وجدت، فهي ضعيفة ومحددة الإطار بأسلوب مسبق، وهو ما يضاد طبيعة فكرة مثل هذه البرامج. لا يوجد في إعلامنا المرئي اعتناء بالطفولة والأطفال، مع غفلة مقلقة وغير مبررة عن الثقافة، وأبعد من ذلك، عن التلفزيون الإعلامي الذي يحقق أغراضه في الدول المتقدمة والصناعية حتى بات جزءاً عزيزاً وأصيلاً من حركة التعليم والإعلام معاً.
لا نريد في إعلامنا المرئي عجباً عجاباً، ولا ننادي بمستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفي. نريد أن يعد البرامج ويقدمها متخصصون ومبدعون ومخلصون، ولا نشكك في إخلاص أحد، لكن مرارة الواحد منا "تكاد تنفقع".
تنتهي الدورات البرامجية وتبدأ ولا يشعر أحد بالتغيير، وغاية ما قد يتابع بعض المسلسلات المستوردة، وهو ما يتابع في محطاتنا التلفزيونية كما في غيرها مع تفوق الغير إلى حد تصبح معه المقارنة تعسفاً.
فما هي الأسباب؟ الميل المبكر والمستمر إلى الخصخصة أو إلى التمسك بروح الخصخصة أحد الأسباب، والنتيجة أن إعلامنا المرئي، في الأغلب الأعم ولا تعميم، أصبح مثل الحمامة التي قلدت مشية الغراب، فلم تتقن مشيته ونسيت مشيتها.
نعم هنالك حيرة وتخبط، وهناك تجريب مستمر منذ ما يقارب العقود الخمسة، وهناك، بالتالي، خبرات منقطع بعضها عن بعض فلا مراكمة تجربة، ولا وصول إلى نتائج تمثل خلاصات ينطلق منها من جديد، ولا وجود حقيقياً للتلفزيون الوطني.
ورأينا التجريب "الأعمى" مستمراً حتى أمس وحتى اليوم، ومن ذلك الاستعانة بأصوات دخيلة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، دخيلة في العقل والروح والعمل والاتجاه، ممن حسب على ثقافة الإمارات وعلى روح الإمارات، وهو لم يكن يعبر إلا عن نفسه.
الإعلام المرئي، بهذه الطريقة، يتحول وينقلب، وبدل أن يكون لنا يصبح علينا، فيتحول تمويل الإعلام المرئي إلى نوع من التبذير.
لا نريد في إعلامنا المرئي عجباً عجاباً، ولا ننادي بمستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفي. نريد أن يعد البرامج ويقدمها متخصصون ومبدعون ومخلصون، ولا نشكك في إخلاص أحد، لكن مرارة الواحد منا "تكاد تنفقع".
نحن لم نخترع التلفزيون، ولذلك لا نريد احتكار هذا الأسلوب الذي لا يستقيم أصلاً مع استقرار وتطلعات مجتمعنا وشعبنا، مع ضرورة الالتفات، أكثر وأبعد، إلى إعلامنا الخارجي، وسط عالم من الصراعات والاتجاهات، ووسط هجمة شرسة ظالمة على بلدنا، أبطالها مأجورون ومرتزقة يتكلمون، زوراً وبهتاناً، للأسف، باسم العروبة وباسم الإسلام.
ولسنا ضد الآراء الجديدة والمبتكرة والموضوعية، ولسنا ضد الآراء المخالفة والمختلفة، فنحن مجتمع يؤمن بالاختلاف والتعدد، ولكننا ضد كل من يريد الرأي الجديد مرادفاً للفتنة والتطرف والطائفية والتمييز والبغضاء حرفياً وكأن انقسام مجتمع التسامح هدف أثير، ولا نريد، وهذا ما أقوله ثانية في لغة أكثر وضوحاً. لا لمن يقول آراء هو حر في قولها، لكنه، ينسبها إيماء وإيحاء وأحياناً بالقول المباشر، إلى الإمارات وهو يعلم أنها تسهم في تأجيج الهجمة الشرسة الظالمة إياها.
وليس اتهاماً للنيات، لكنها إدانة للنتائج.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة