كان حبيب الصايغ أحد أنجب أبناء هذه الأرض الطيبة، كان يدرك معنى أن يكون إماراتياً، تغنى في أشعاره بالوطن
فقدت الإمارات ومعها «دار الخليج»، أحد أنجب أبنائها، فقدت صوتاً قوياً منافحاً عن الخير والعدل والجمال، وقلماً وطنياً يحق للإمارات والأمة العربية من الماء إلى الماء أن تعتز به، توقف عن النبض ذلك القلب الكبير الذي كان يوقع قصائده ومقالاته باسم حبيب الصايغ.
منذ بدأ الصايغ مشروعه الشعري في أوائل ثمانينيات القرن الماضي، وهو يكتب بقلبه، ومنذ بدأ مشواره الصحفي قبلها بسنوات قليلة، وهذا القلب مهموم بقضايا الناس.. أفراحهم وأحزانهم، أمنياتهم وأحلامهم، ومنذ تولى رئاسة اتحاد كتّاب الإمارات، ومن بعده اتحاد الكتّاب العرب، وهذا القلب أيضاً لا ينبض إلا بعشق وطنه وأمته العربية.
هل توقف قلب الصايغ؟ قلب الشاعر لا يتقيد بحدود الزمن المعروف، يظل ينبض بالحب والعشق والأمل والتغني بالحياة، فالقوافي لا تموت، تهجس بصوت صاحبها إلى الأبد، أما قلب الصحفي فيستمد خلوده من تلك القضايا التي دافع عنها، وتلك المواقف العادلة التي تمسك بها.
كان حبيب الصايغ أحد أنجب أبناء هذه الأرض الطيبة، كان يدرك معنى أن يكون إماراتياً، تغنى في أشعاره بالوطن: بيوته وشوارعه.. بحره وجباله وصحرائه.. تاريخه وإنجازاته.. مؤسساته وقيادته الحكيمة، أدرك بذكاء المثقف إمكانات الإمارات وقدرتها على أن تكون مركز إشعاع حضاري وثقافي جديدا في المنطقة، وضع قلمه/قلبه؛ لكي يحقق هذا الحلم، كتب كثيراً، وتحدث مراراً عن حلمه المشروع، سافر وشارك في ملتقيات وندوات وأمسيات، أقيمت من الخليج إلى المحيط، تعاون مع كثيرين مثله من أبناء الإمارات الغيورين؛ للوصول إلى مركز الإمارات المستحق، كانت همته منقطعة النظير على مدار أكثر من أربعين عاماً، نجح وتولى رئاسة اتحاد الكتّاب العرب، ومن موقعه، وفي كل اجتماع أو مؤتمر للاتحاد بح صوته؛ دفاعاً عن قضايا العرب، كان صاحب رؤية تربط الثقافة بالسياسة، وتدرك قيمة ومكانة المثقف، ودوره الرئيسي في كل ما يدور حوله.
في كل قضية وجدناه حاضراً بقوة الحجة، وبلاغة المفردة، والقدرة على الإقناع والتأثير، ومن خلال أسلوب سهل ممتنع وظف حقائق التاريخ، ومعلومات ومعطيات الواقع؛ لكي يثبت وجهة نظره، دافع عن حق الإمارات في جزرها الثلاث، وعن عدالة القضية الفلسطينية، ولم يترك مناسبة إلا وندد بخطر التطرف، حتى إنه أعد في اتحاد الكتّاب العرب ما يشبه المشروع الثقافي الذي يرتقي بالتفكير والذائقة الجمالية، صيانة للعقل والوجدان ضد دعوات قبيحة ترددها جماعات لا هم لها إلا القضاء على الأخضر واليابس.
هذا القلب اتسع ليحتضن الجميع، عرفناه على المستوى الإنساني عذباً وخلوقاً وجميلاً، ومفعماً بالتفاؤل. وعرفته الساحة الثقافية كتلة من نشاط لا تهدأ، لم ينعزل يوماً في برج عالٍ عن الأجيال الجديدة من المبدعين، كان يشجعهم ويدعو للأخذ بأيديهم، ومنحهم الفرصة، فمن هؤلاء يتشكل المستقبل.
ولم يعارض أي تيار أدبي.. استوعب الجميع، وحاورهم بما يفيد الصالح الثقافي العام، ولم يقف ضد أي تيار فكري إلا من يعملون على تخريب الأوطان، والرجوع بثقافتنا إلى عصور الظلام.
هل توقف قلب الصايغ؟ قلب الشاعر لا يتقيد بحدود الزمن المعروف، يظل ينبض بالحب والعشق والأمل والتغني بالحياة، فالقوافي لا تموت، تهجس بصوت صاحبها إلى الأبد، أما قلب الصحفي فيستمد خلوده من تلك القضايا التي دافع عنها، وتلك المواقف العادلة التي تمسك بها.
تحول «أبوسعود» الإنسان والشاعر والصحفي إلى رمز نفتخر به جميعاً، فتحية من «دار الخليج» إلى ذلك القلب الكبير.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة