منذ مطلع الأسبوع الماضي، عاد الصراع الكوري-الكوري وارتباطه بالولايات المتحدة إلى دائرة الأضواء.
جاء ذلك بعد أن وقف الزعيم الكوري الشمالي في قاعة ضمّت أكبر صواريخ في كوريا الشمالية، حيث قصد "كيم جونج أون" رسائل لا تخفى إلى واشنطن وسيؤول، مفادها -حسب إعلامه- أن تطوير الأسلحة ضروري لمواجهة السياسات الأمريكية العدائية والحشد العسكري الكوري الجنوبي، وأنه لا يناقش الحرب مع أحد، بل يناقش منع الحرب نفسها وتعزيز قوة الردع حرفياً من أجل حماية السيادة الوطنية، كما أعلن.
ولم تمض دقائق، حتى أعلن متحدث باسم وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، في إفادة صحفية، أن أجهزة المخابرات الكورية الجنوبية والأمريكية تعكف بالفعل على تحليل الأسلحة، التي ظهرت في المعرض الكوري الشمالي، وستواصل متابعة الموقف عن كثب، ذلك أن الكوريتين في سباق تسلح متسارع، إذ تختبران صواريخ بالستية متقدمة قصيرة المدى فضلا عن أسلحة أخرى.
أما الولايات المتحدة، فقد قالت إنها مستعدة لإجراء محادثات دبلوماسية في أي وقت مع كوريا الشمالية، لكن "بيونج يانج" تقول إنها غير مهتمة بالأمر ما دامت واشنطن تُبقي على سياسات مثل العقوبات، وتلك المتعلقة بالأنشطة العسكرية في كوريا الجنوبية، لكن دبلوماسيا أمريكيا رفيع المستوى عاد ووجّه إلى كوريا الشمالية دعوة جديدة إلى حوار غير مشروط، مؤكّداً أنّ بلاده لا تضمر أيّ نيّات عدائية تجاه "بيونج يانج".
وقال المبعوث الأمريكي الخاص لكوريا الشمالية، "سونج كيم"، أمام الصحافيين: "سنواصل المسار الدبلوماسي مع كوريا الشمالية من أجل إحراز خطوات ملموسة تُحسّن أمن الولايات المتّحدة وحلفائنا".
وهنا يرد السؤال عن جدوى المحادثات تلك وتأثيرها على كوريا الجنوبية وبقية حلفاء الولايات المتحدة، خصوصا أن على أمريكا والحلفاء تحمّل "مسؤولية تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، ومن ضمنها العقوبات الأممية المفروضة على كوريا الشمالية، والتي يحاول زعيمها كيم جونج-أون رفعها عن بلاده".
هنا في واشنطن، ناقشتُ مع أحد أعضاء الكونجرس ما صرح به الزعيم الكوري الشمالي من اتهام صريح للولايات المتّحدة بأنّها "السبب الجذري" للتوتّرات في شبه الجزيرة، ضارباً عرض الحائط بالتصريحات التطمينية، التي تصدر عن الإدارة الأمريكية تجاه بلاده، وقد ردّ عضو الكونجرس على ذلك بأن واشنطن قد وجّهت إلى "بيونج يانج" دعوات متكرّرة للحوار، ونفت مراراً وجود أيّ نيات عدائية لديها تجاه نظام "كيم".
إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أعلنت مراراً عن استعدادها للقاء مسؤولين كوريين شماليين في أي مكان وزمان ودون شروط مسبقة، في إطار الجهود الرامية لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي، لكنّ "بيونج يانج" رفضت ذلك، ولا أدل على ذلك الرفض من اختبار كوريا الشمالية في الأسابيع الأخيرة صواريخ متطوّرة للغاية، من بينها صاروخ "كروز" بعيد المدى وصاروخ "انزلاقي فرط صوتي" وصاروخ مضادّ للطائرات، وهي الممنوعة على كوريا بموجب قرارات أصدرها مجلس الأمن الدولي، بأن لا تطور ترسانتها النووية أو البالستية، لكنّها لا تبالي بهذا الحظر، وهو الأمر الذي عاد عليها بعقوبات دولية متعدّدة.
ومهما يكن من أمر، فإنه يصعب على كوريا الشمالية تصديق تأكيدات الولايات المتحدة من أنها لا تُكن أي مشاعر عدائية تجاه كوريا الشمالية، وهي التي ترى تحركات جارتها، كوريا الجنوبية، الجامحة لتعزيز جيشها، ما قد يدمر التوازن العسكري في شبه الجزيرة الكورية ويزيد الخطر فيها عبر عدم الاستقرار العسكري، خصوصا أن كوريا الجنوبية قد عبّرت صراحة وفي مناسبات عدة عن رغبتها في التفوق على جارتها الشمالية في القوة العسكرية.
الأهم من ذلك هو الترحيب الكوري الجنوبي بالدور الأمريكي، وكذلك التطورات الممكنة في موقف كوريا الشمالية من ذلك الدور، خصوصا بعد اللقاء الذي اجتمع فيه كبار المبعوثين النوويين لكوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان في واشنطن لمناقشة الجهود المشتركة لاستئناف المحادثات مع "بيونج يانج"، التي توقفت منذ فبراير 2019 بعد انتهاء القمة بين الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، والزعيم الكوري الشمالي "كيم جونج-أون" دون اتفاق، وكذلك ما أكدته وزارة الوحدة بكوريا الجنوبية من أن تحركات كوريا الشمالية بشأن الولايات المتحدة تستدعي الاهتمام، موضحة أن رسائل رئيس كوريا الشمالية بشأن الولايات المتحدة زادت مؤخرًا وأصبحت أكثر تفصيلاً، وأوضحت -في تقرير لها أوردته وكالة أنباء يونهاب- أنها ستواصل الجهود لإيجاد فرص، مثل أولمبياد بكين الشتوية المقبلة، لاستئناف المحادثات بين الكوريتين، وبين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، لافتة إلى أن كوريا الشمالية على ما يبدو تبحث عن طرق لاستئناف الأنشطة الخارجية، وأنها تستعد لإعادة فتح طرق قطاراتها مع الصين.
كذلك فشل مجلس الأمن في اتخاذ موقف موحد تجاه التجارب الصاروخية لكوريا الشمالية، التي اتهمت الولايات المتحدة بالقيام بـ"خطوات استفزازية" من خلال دعوة مجلس الأمن إلى اجتماع طارئ.
وقالت كوريا الشمالية: "عند إجراء الاختبار الأخير، لم نكن نضع الولايات المتحدة في الاعتبار، ولم نستهدفها، لكن هذا هو العمل الذي جرى التخطيط له بالفعل للدفاع عن البلاد"، مضيفة: "ليست هناك حاجة إلى أن تقلق الولايات المتحدة أو تقلق نفسها بشأن تجربة الإطلاق"، وأكدت أن إطلاق الصواريخ البالستية هو "جزء من النشاطات العادية" و"لا يشكل أي تهديد أو ضرر لأمن الدول المجاورة والمنطقة".
وأضافت أنه "إذا لم تعترض الولايات المتحدة على ممارسة جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية المنتظمة والشرعية حقها السيادي، فلن يحدث توتر في شبه الجزيرة الكورية".
خلاصة القول، فإن كل المؤشرات تدل على أن طموح "بيونج يانج" النووي لن يتلاشى، وسيبقى سقف المحادثات هو الجمود الحالي، حيث تنشر واشنطن في كوريا الجنوبية نحو 28500 عسكري لحمايتها من الجارة الشمالية، التي قد لا يطول تودد الأطراف جميعها إليها لكثير من الوقت، بدءا من كوريا الجنوبية وصولا إلى الصديق الياباني والمارد الأمريكي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة