على مدى السنوات القليلة الماضية، كانت شركة فيسبوك الشهيرة محل اهتمام ومتابعة من الرأي العام والسلطات الأمريكية.
ففي عام 2016، اتَّهمت المخابرات المركزية الأمريكية "فيسبوك" بأنها أصبحت أداة في يد روسيا لانتهاك الانتخابات الرئاسية. وفي عام 2019، وقف كبار المديرين بالشركة للإدلاء بشهاداتهم أمام إحدى لجان مجلس الشيوخ والرد على أسئلة أعضائها بشأن الاتهامات الموجَّهة للشركة.
وفي 2020، بثَّت قناة "نتفلكس" فيلماً بعنوان "المُعضلة الاجتماعية" الذي سلَّط الضوء على الدور المتزايد لشركة فيسبوك ونظائرها في السيطرة على العقول.
وفي أكتوبر 2021، تم اتهام الشركة بالترويج لمعلومات كاذبة ومضللة، وتشجيع الانقسامات داخل المجتمع، وذلك بعد تسريب عشرات الآلاف من وثائق الشركة التي تدل على ذلك، وهو ما أسمته أجهزة الإعلام الغربي بفضيحة "أوراق فيسبوك".
وتعود هذه الاتهامات والتسريبات الأخيرة إلى المهندسة فرانسيس هوجن، التي عملت لمدة عامين كمديرة في إدارة الرقابة على المحتوى بشركة فيسبوك، واستقالت في مايو 2021 لاعتراضها على أداء الشركة وشكوكها بشأن مدى جدِّيتها في الرقابة على المحتوى.
وهو ما ظهر لها في عدد الأفراد الذين عيَّنتهم الشركة لهذا الغرض، وعدم أخذ توصياتها بشأن الآثار الضارة على المستخدمين لتطبيقاتها مأخذ الجد.
ومن ذلك مثلاً، أنها اقترحت إدخال تغيير خوارزمي لضمان الرقابة على المحتوى فيما يتعلق بالصحة، وتم رفض الاقتراح بدعوى أنه يقلل من تفاعل المستخدمين ومشاركاتهم.
ظهرت السيدة "هوجن" يوم الثلاثاء 5 أكتوبر وأدلت بشهادتها أمام مجلس الشيوخ، حيث اتهمت الشركة بتفضيل الربح وتوسيع نشاطها على المصلحة العامة ومصالح المستخدمين لتطبيقاتها، وعدم احترامها قيمة حماية الصحة الجسدية والنفسية للأطفال والمراهقين، وطالبت المشرِّعين بإصدار القوانين التي تحميهم.
وقامت أيضاً بتسليم آلاف الوثائق إلى جريدة "وول ستريت"، والتي كشفت عن وجود ثغرات كبيرة في تأمين التطبيقات الإلكترونية للشركة، مما مكَّن عصابات تجارة المخدرات والاتجار بالبشر من الترويج لأنشطتها دون تدخُّل من الشركة لوقف ممارساتها.
كانت مثل هذه الاتهامات قد تكررت من قبل، ولكن الجديد هذه المرة هو توافُر الأدلة على معرفة مسؤولي الشركة بالأخطار التي تهدد الصحة النفسية وبالآثار الضارة على الأطفال والمراهقين، مستخدمي تطبيقاتها، وأنهم لم يحركوا ساكناً.
والجديد، أن الوثائق المُسرَّبة كشفت التناقضات بين مواقف الشركة العلنية وممارساتها الفعلية، فرغم إعلان فيسبوك التزامها بتشجيع الناس على تلقِّي اللقاحات المضادة لفيروس كوفيد-19، فإنها لم توقف مئات الصفحات التي بثَّت محتوى يُحرِّض الناس على عدم تلقِّي اللقاحات ويُشكك فيها.
والجديد أيضاً التعرف على تفاصيل ما يُسمَّى بـ"القائمة البيضاء" التي تضم ما يقرب من 6 ملايين من المشاهير في مختلف مجالات الحياة، والذين تسمح لهم فيسبوك بنشر أي محتوى، حتى وإن كان متطرفاً أو ضاراً بآخرين، ولا تتدخل في المحتوى الذي يبثُّه أعضاء هذه القائمة إلا عندما تستفحل الأمور كما حدث في حالة ترامب.
وتُشير الوثائق إلى أنه في غمار المنافسة الحادة بين فيسبوك والتطبيقات الجديدة مثل "سناب شات" و"تيك توك"، قامت الشركة في 2018 بإدخال تعديل خوارزمي في التطبيق الرئيسي، الذي يغذي البيانات والأخبار والصور، وذلك بهدف جذب أعداد أكثر من المستخدمين للموقع، وأعطى هذا التعديل وزناً أقل للمحتوى المُنتَج بشكلٍ مهني، وزيادة نسبة المحتوى الذي يركز على الإثارة والتطرف.
ورغم أن الشركة أنشأت مجلساً للرقابة يلجأ إليه المتضررون من محتوى ما، فقد بينت الوثائق أن سلطة هذا المجلس تنحصر في حذف هذا المحتوى أو تركه، ولكنها لا تمتد إلى طلب المستندات عن كيفية بثِّه على الموقع أو محاسبة المديرين التنفيذيين الذين لم يتنبهوا إلى خطورته.
ولذلك، فقد اتخذ الديمقراطيون والجمهوريون في مجلس الشيوخ موقفاً موحداً في انتقاد ممارسات فيسبوك، خاصة أنهم سبق لهم استدعاء "مارك زوكربيرج"، الرئيس التنفيذي للشركة، وسؤاله عن هذه الأمور دون أن يترتب على ذلك اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة، مما جعل بعضهم يشعر بخداع فيسبوك لهم.
يثير هذا الحوار موضوع مسألة الرقابة العامة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتوفيق بين حرية مستخدميها في بث ما يعتقدون فيه من أخبار وآراء، وحق المجتمع في حماية نفسه من سوء استخدام البعض هذه الحرية، ومن استخدام جماعات سياسية منظمة هذه المنصات لترويج خطاب التطرف والحض على كراهية الغير.
ويثير أيضاً، مسؤولية شركات المعلومات العملاقة، التي تملك منصات التواصل الاجتماعي، عن المحتوى الذي تبثُّه، وتستفيد هذه الشركات من المادة 230 من قانون الاتصالات عام 1997، الذي أعطاها حصانة تعفيها من تحمُّل نتائج الآثار الضارة المترتبة على المحتوى الذي يبثُّه المستخدمون.
وأعتقد أن الأمور تتحرك في الكونجرس نحو تعديل تشريعي لهذا القانون.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة