في لبنان والعراق مشهدٌ واحدٌ يُظهر طبيعة الحلول، التي يفضّلها وكلاء إيران حين يتعرض نفوذها للتهديد.
فمصير المشروع الإيراني مرتبط بالقضاء على "الدولة الوطنية" في المنطقة، وأيُّ وجود أو صمود لمفهوم هذه الدولة يعني أن مشروع الملالي لم يكتمل ولا يزال مهدّداً.
واليوم، يشهد لبنان انقساما خطيرا على مستوى الشارع والوسط السياسي، على خلفية إجراء التحقيقات في قضية تفجير مرفأ بيروت، ومطالبة الثنائي حركة "أمل" و"حزب الله" الإرهابي بتنحية قاضي التحقيق، طارق البيطار، ولهذه الغاية نظّما وقفة احتجاجية وصفوها بـ"السلمية" نهاية الأسبوع الماضي، تطالب بإقصاء "البيطار" عن القضية، ولكن هذه السلمية تحوّلت إلى اشتباكات سقط فيها 7 قتلى وعدد من الجرحى.
ويسعى "حزب الله" إلى تعطيل القضاء اللبناني وسلطات التحقيق بقيادة القاضي "البيطار"، سواء بخلق تعقيدات سياسية أو بقوة السلاح، ولكن يقف خلف "البيطار" رأي عام واسع من اللبنانيين، الذين يريدون معرفة المسؤول عن إدخال 2700 طن "نترات أمونيوم" إلى مرفأ بيروت، ويطالبون بتحقيق العدالة بمحاسبة كل مَن كانت له علاقة بهذه المواد القاتلة وبالتفجير عموماً.
بينما يريد ذراع إيران في لبنان -"حزب الله"- أن يضم القضاء اللبناني إلى وصايته، وحينها يطمئن إلى أن معارضي جرائمه لن يكونوا سوى أصوات لا تأثير لها، وسيكون لبنان حينها بكاملها دولة للحزب تُدار من طهران.
أمّا في العراق، فقد أتت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة صادمة للنظام الإيراني بتراجع دراماتيكي للأحزاب والقوى التابعة له، كـ"الحشد الشعبي"، في إشارة واضحة إلى رفض الشعب العراقي التدخل الإيراني في شؤونه، حيث انخفض عدد مقاعد "تحالف الفتح"، الموالي لإيران، من 47 مقعداً في البرلمان السابق إلى 14 مقعداً.
خسارة "الحشد الشعبي" تُشكّل صفعة كبيرة لإيران ونفوذها، بل لسطوتها في العراق، إذ إنها تعتبر أن وجود مأجوريها ككتلة قوية في البرلمان العراقي يسهم في سَنّ قوانين لمصلحتها واستمرار سيطرتها على القرار العراقي.
ولعلّ مسارعة هذه القوى الموالية لإيران إلى إطلاق اتهامات التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية ورفضها، ثم الترويج لحملة اعتراضية في الشارع تلقي بالتهديدات في كل اتجاه، أمور تدل على أن المرجعية الإيرانية قرأت نتائج الانتخابات العراقية على أنها استهداف لنفوذها، وبالتالي فإنها تريد أن يكون التصعيد سيد الموقف داخل العراق.
وإذا استطاعت مليشيا "حزب الله" السيطرة على القضاء اللبناني، فإن هدفها التالي سيكون السيطرة الكاملة على الجيش اللبناني، أما في العراق فيتعلق الاعتراض على نتائج الانتخابات بمستقبل مليشيات إيران، خاصة إذا ما انسحبت القوات الأمريكية فعلا من العراق نهاية العام الجاري.
إذاً.. إيران وأذرعها لا تريد أن تعترف بالوسائل السياسية والسلمية لأي تغيير عن طريق الانتخابات أو المؤسسات، فمنطقها الدائم هو سيطرة مليشياتها وتحدّي الدولة الوطنية، ولا حلَّ مع هذه المليشيات إلا بفرض قوة الدولة ومؤسساتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة