حجم الخطر الداهم على البشرية، وهذه المرة بفعل عوامل طبيعية ناجمة عن سلوكيات بشرية متراكمة ومستمرة، وضع مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي، الذي سينطلق في غلاسكو الاسكتلندية أول نوفمبر المقبل، على طاولة اهتمامات العالم.
ما يميزه عن سابقه من المؤتمرات واللقاءات المتعلقة بموضوع المناخ، خصوصيته التي تنبع من السعي الجاد الذي تبنّته كثير من الأطراف الدولية بهدف الانتقال فعليا وعمليا إلى دائرة التنفيذ للخطط والمقترحات، التي كانت قد خرجت بها زعامات العالم على مدار خمس وعشرين دورة سابقة منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ في الحادي والعشرين من مارس عام 1994.
لم يعد الكلام والتشخيص مُجديَيْن بعد أن تجاوزت التغيرات المناخية حدود المعقول والاحتمال.
الحديث اليوم عن أن التبعات لم ولن تقتصر على الشركات وما تنتجه، ولا على الفضاء وما يكتنزه، ولا حتى على الاقتصادات الكبرى منها والصغرى وما تفعله، لقد انتقل الحديث عن خطر الانبعاثات والتغير المتسارع في المناخ إلى الإنسان، بات وجوده مهدداً، والإنسان هو "جوهر الأشياء جميعا" كما يقول المنطق.
مشكلات التغير المناخي، التي تكتنف كوكبنا، انعكست سلبا بشكل مباشر وملموس على جميع قطاعات الإنتاج العالمي.
لم تبرز المشكلة بين ليلة وضحاها.. في جانب منها تراكمت وظلت بلا حلول جذرية وعملية بسبب تعارض سياسات دول، وصراعات أخرى، وعدم وجود محفز لدى أصحاب الشأن والقرار.
الخطر العام يوحد الجميع.. كثيرة هي النماذج الملهمة للتصدي لظاهرة التغير المناخي، ومنها مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا المضمار، حيث اعتمدت منهجا خاصا بها في التصدي لهذه الظاهرة وتفاعلت مع توجهات جميع الدول من أجل بلورة آلية عمل مشتركة من خلال الاتفاقيات الهادفة إلى تسريع العمل للحد من التراجع المناخي، وكذلك لحماية البيئة عن طريق الهيئات الحكومية والشركات ومؤسسات البحوث، ضمن رؤية استراتيجية بعيدة المدى تعود إلى أكثر من خمسة عشر عاما، حين قررت وقتذاك ولوج عالم "الاستثمار المكثف" بالشراكة مع بلدان أخرى في الابتكار والطاقة منخفضة الكربون، لا سيما الطاقة المتجددة، إضافة إلى أنها كانت من أوائل المستثمرين في كبرى مشاريع طاقة الرياح المجدية تجاريا في بريطانيا، ما جعلها السوق الأهم في العالم لطاقة الرياح البحرية النظيفة.
منهج دولة الإمارات بشأن المناخ يندرج ضمن "مبادئ الخمسين"، التي أطلقتها لإدارة نصف قرن مقبل بتخطيط علمي.
يمكن تلمّس جوهر هذه الرؤية الاستراتيجية من خلال تتبع عناصرها من جهة، ومن جهة أخرى عبر التمعن بالخطط المدروسة والأهداف المنشودة منها، أبرزها أن للعمل المناخي دوراً يصب في خانة تحريك النمو الاقتصادي، وتحقيق التنمية المستدامة، وخلق فرص عمل جديدة.
هذه الرؤية الاستراتيجية لا تقتصر على الجانب النظري، لها مسارات عملية، من بينها توفير التمويل للعمل من أجل المناخ وإطلاق المزيد من الأعمال بشأن التكيف مع التغير المناخي وتعزيز النمو، بالتزامن مع الحد من تداعيات تغير المناخ على العالم، وأخرى علمية محددة، منها العمل على خفض الانبعاثات في مختلف القطاعات الاقتصادية بحلول عام 2030، بحيث يبقى الاحتباس الحراري في حدود 1.5 درجة، كما تنص عليه اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، التي حذرت من مخاطر ارتفاعها فوق هذا المعدل مقارنة بالدرجة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، لأن الكثير من التغييرات التي طرأت على الكوكب تصبح عندها دائمة ولا رجعة فيها.
إذا كانت اتفاقية باريس قبل ست سنوات توصف بخطة "تسابق لتجنيب الإنسانية كارثة مناخية"، فحريٌّ بمؤتمر غلاسكو المقبل أن لا يكتفي بمراجعة ما تحقق أو ما لم يتحقق خلال الفترة الماضية وحسب، المسؤولية الأخلاقية والإنسانية على عاتق قادة العالم، الذين سيلتقون هناك، تتطلب إقرار خطط عملية وبرامج تنفيذية وضوابط ملزمة، وتعاون مخلص من أجل البشرية و"الإنسان"، الذي يمثل جوهر الوجود، وحامل الحضارة، ومفتاح تقدم الدول والأمم.
ليس مبالغة القول إن مصير البشرية بات على المحك، فإما اجتراح حلول عملية لوقف التدهور الحاصل في مناخ الكوكب، والفرصة تبدو حتى الآن متاحة، وإما أن شبح المخاطر الفتاكة سيحوم بأساليب وطرق كثيرة ولن يستثني أحدا.
أولوية الأولويات تتلخص في الانتقال إلى التطبيق العملي، ومحاكاة تعهدات بعض الدول بهذا الخصوص كالنموذج الإماراتي بشقيه العلمي والعملي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة