اتخذ الرئيس ترامب سياسة مختلفة عن رؤساء أمريكا السابقين وذلك بالتركيز على سلاح العقوبات الاقتصادية على خصوم أمريكا رافضا استخدام القوة
باتت الحرب الاقتصادية من أقوى أنواع الأسلحة التي تستخدمها الدول ضد دول أخرى تستطيع من خلالها القضاء على الخصم دون أي تكلفة أو حتى قيمة رصاصة واحدة. سابقاً كان النظام المالي العالمي يتحكم به بينما كان النظام الرأسمالي بقيادة أمريكا والنظام الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي.
نعيش حاليا في عصرنا الحالي سلاحا أقوى مفعولا من السلاح النووي، سلاحا يجعل الخصم يضعف يوما بعد آخر إلى أن ينشغل بنفسه وتتسع مشاكله الداخلية من بعد ذلك وتحقق نجاحا بانهيار خصمك دون أن تخوض حربا أو أي تكلفة، إنها سلاح العقوبات الاقتصادية.
وبحكم أن كلتا الدولتين من أقوى دول العالم عسكرياً ومالياً وسياسياً، كان من الصعب استخدام القوة العسكرية أو وقوع حرب، لأنها سوف تكون مدمرة ليس فقط لكلتا الدولتين بل للعالم أجمع.
من هنا عاش العالم لعقود بما يعرف بالحرب الباردة وأصبحت كل دولة تحاول استنزاف الدولة الأخرى حال خاضت حرباً في أي دولة بالعالم. من هنا نجحت أمريكا في الحرب الاقتصادية ضد الاتحاد السوفيتي الذي تفكك فعلاً قبل ثلاثين عاماً. من هنا أصبحت أمريكا هي النظام المالي المسيطر لاقتصاد العالم، ما منحها ذلك أن تحوز على سلاح العقوبات الاقتصادية على أي دولة بالعالم حتى لو كانت عظمى مثل الصين وروسيا أو غير عظمى.
أصبحت أمريكا تستخدم سلاح العقوبات الاقتصادية على كل دولة تعارض أو تخالف سياستها عالمياً، ولنا في العراق وفنزويلا وإيران وكوريا الشمالية خير مثال، بل إن العقوبات الاقتصادية أصبحت ورقة ضغط أمريكية تستخدمها حتى مع حلفاء لها مثل تركيا، عضو في حلف الناتو، لوحت أمريكا بتلك العقوبات الاقتصادية، حتى روسيا والصين لم تسلما من العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
من هنا اتخذ الرئيس ترامب سياسة مختلفة عن رؤساء أمريكا السابقين، وذلك بالتركيز على سلاح العقوبات الاقتصادية على خصوم أمريكا، رافضاً كل الرفض استخدام القوة العسكرية، بحجة أن الدخول في حروب عسكرية مكلفة جداً والمستفيد منها شركات السلاح الأمريكي، لذلك نجد الرئيس ترامب دوماً يكرر مقولته عن أخطاء خلفه من رؤساء خاضوا حروباً مثل أفغانستان والعراق، تسببت في تكلفة باهظة على اقتصاد أمريكا وصلت إلى 5 تريليونات دولار، مما كانت سبباً رئيسياً في ارتفاع ديون أمريكا إلى 22 تريليون دولار.
من هنا نجد الرئيس ترامب استخدم عبر بداية ولايته حتى الآن عقوبات اقتصادية مشددة على كل من كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا، وبنفس الوقت توعد تركيا عند الضرورة بعقوبات اقتصادية، وصفها ترامب سوف تكون مدمرة لاقتصاد تركيا.
صحيح أن مفعول تأثير العقوبات الاقتصادية على هذه الدول تحتاج إلى وقت أطول من العمل العسكري لكنه سلاح غير مكلف لأمريكا، إذ مع مرور الوقت سوف تحاول تلك الدولة التي عليها عقوبات اقتصادية مشددة تقديم تنازلات كبيرة من أجل الحصول على اتفاق مع أمريكا أشبه بالاستسلام.
وبحكم أن اقتصاد العالم تحت سيطرة أمريكا، جميعنا شاهدنا كيف استخدمت أمريكا رفع رسوم الصلب على الصين وأيضاً شملت بعد ذلك بضائع بمئات المليارات من الدولارات البضائع الصينية، وأوروبا كذلك بحجة أن التبادل التجاري لأمريكا مع الصين وأوروبا يسير لصالح الصين وأوروبا. من هنا أعلن ترامب الحرب التجارية على الصين وأوروبا، كل هذه الحرب بسبب سيطرة أمريكا المطلقة على النظام المالي العالمي، لذلك جعلها بشكل أحادي تستطيع اتخاذ ما تريد من عقوبات اقتصادية أو رفع رسوم كونها أكبر وهي المسيطر لاقتصاد العالم.
ما نتائج الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا على بعض الدول؟
استطاعت أمريكا تفكيك إمبراطورية الاتحاد السوفيتي سابقاً وبنفس هذا السلاح، واستطاعت عبر عمل عقوبات اقتصادية على العراق أكثر من ١٣ سنة من انهاكه وإضعاف قدراته، من بعد ذلك احتلته بكل سهولة، كما استطاعت فرض عقوبات اقتصادية على فنزويلا، التي تملك أكبر احتياطي نفط بالعالم من جعلها من أفقر دول العالم، وكانت الحكومة الحالية على وشك الانهيار بسبب المظاهرات العارمة في فنزويلا؛ احتجاحاً على غلاء المعيشة، وفرضت أقوى عقوبات اقتصادية على إيران، التي تشهد حالياً ضعفاً اقتصادياً عاماً غير مسبوق.
جرت كوريا الشمالية للمفاوضات مع أمريكا بخصوص التنازل على سلاحها النووية مقابل الاقتصاد ووقف العقوبات.
وحالياً يكفي الرئيس ترامب التلويح بعقوبات مدمرة لاقتصاد تركيا من جعلها ترضخ لشروط ترامب بوقف الحرب ضد الأكراد.
من هنا نستنتج أننا نعيش حالياً في عصرنا الحالي سلاحاً أقوى مفعولاً من السلاح النووي، سلاحاً يجعل الخصم يضعف يوماً بعد آخر إلى أن ينشغل بنفسه وتتسع مشاكله الداخلية من بعد ذلك وتحقق نجاحاً بانهيار خصمك دون أن تخوض حرباً أو أي تكلفة، إنها سلاح العقوبات الاقتصادية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة