المرأة السورية كانت عنوان المعاناة والمأساة في الفقد والندب على زوج معتقل أو ابن مقتول لتصبح بذلك المعيلة والعاملة.
السلوك المتطرف لا يلقي اعتباراً لمبدأ أو ثقافة أو حضارة بل هو في تكوينه الابتدائي حالة شاذة تنحصر بفكر المتطرف نفسه، الذي لا يقف إلا عند حد فكري في ذهن من اتخذه منهجاً يقوم على مبدأ "من لا يشبهني لا حق له في الوجود"، كما أنه مستعد أيديولوجياً وفكرياً لتنفيذ أجندة أي داعم له في سبيل خدمة فكره المتطرف.
لذلك نجد أن هذه الجماعات التي تحمل مثل هذه الأفكار الظلامية في الغالب مدعومة من جهة دولية كما في سوريا التي تعج بمثل هذه الفصائل، والتي في جزء كبير منها مدعومة من تركيا التي كانت بوابة لدخول هذه النماذج المتطرفة التي استخدمتها في كثير من أجنداتها بطريقة غير مباشرة أو حتى بطريقة مباشرة، كاعتمادها عليها في عمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" وآخرها "نبع السلام".
لم تسلم المرأة السورية من أنواع المعاناة على اختلاف انتمائها أو صفتها كأم أو بنت أو أخت أو زوج، فعلى مدار الأزمة السورية كانت المرأة عنوان المعاناة والمأساة في الفقد والندب والنواح على زوج معتقل أو ابن مقتول أو أب مفقود، بل لربما فقدتهم جميعاً لتصبح بذلك المعيلة والعاملة.
لكن ما يميز هذه الجماعات أنها متطرفة بقناع الوطنية والثورية السورية التي تناضل من أجل الحرية، وهو القناع الذي تغطي به "أنقرة" الوجه الحقيقي لهذه الجماعات، ويمكن فضح بشاعة فكرها، على وضوحه، من خلال تعاطي هذه الجماعات مع المرأة على الساحة السورية.
الوطنية: من المفترض أن تكون هذه الجماعات وطنية سورية الهوية, والمجتمع السوري من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، بصرف النظر عن انتمائه الديني أو الطائفي أو المناطقي مجتمع محافظ في منظومته الأخلاقية، لا سيما في التعاطي مع المرأة التي يتحاشى الرجل السوري إيذاءها أو إهانتها، فإنك لو ركبت، على سبيل المثال، حافلة للنقل الداخلي فإنك ستجد الرجل أو الشاب ينهض من مقعده مفسحاً المجال للمرأة الواقفة لتجلس مكانه دون أي حساب لزيها أو معتقدها أو طائفتها، لأنها قيم مغروسة في أخلاق كل سوري كما أنك عندما تشهد شجاراً في أي مكان تجد الرجل حتى إن ضربته امرأة يشيح وجهه عنها ويقول في سره "إنها امرأة" في إشارة واضحة إلى أنها حرمة لا يجوز مساسها أو إيذاؤها مهما يكن من أمر. أما أن تجد سورياً يمثل في جثة مقاتلة، بغض النظر عن سبب تجنيدها أو مشاركتها.
في القتال، كما حدث لـ"بارين كوباني" في عملية "غصن الزيتون" عام 2018 على يد مرتزقة أردوغان في عفرين، الذين مثلوا بجثتها والتمثيل محرم شرعاً وعُرفاً وأخلاقاً على الرجل والمرأة على حد سواء، ولكن هؤلاء تحللوا من الشرع والأخلاق قبل أن يتحللوا من هويتهم السورية كما عادوا لذات الفعل مع "هفرين خلف" في "رأس العين" خلال عملية "نبع السلام" التي أطلقوها منذ أيام ولكن "هفرين" لم تكن مقاتلة أو مجندة، إذ لا يعدو كونها رئيسة حزب سياسي ولكنها قتلت بدم بارد وبهدوء لاعبي الألعاب الإلكترونية وبهتافات وكأن قتلتها نصروا قضية أو حرروا شعباً!
الثورية: الثائرون ينتفضون من أجل الشعوب ونصرة قضاياها ويتحللون من القوانين الفاسدة التي ثاروا ضدها لتحكمهم الأخلاق والأيديولوجيات الفكرية الدينية والاجتماعية ريثما تنجح ثورتهم لتضع الشعوب بعدها القانون الذي يصون تضحياتها ويتناسب والمبادئ التي ثاروا من أجلها أما ما فعله زبانية أردوغان مع "بارين كوباني" و "هفرين خلف" لا يعد إلا طعناً وخرقاً للقانون الشرعي والاجتماعي للمجتمع السوري، الذي أدان هذه الأفعال واستنكرها واحتقر مقترفيها بكل أطيافه العربية والكردية والإسلامية وغير الإسلامية، لأنها تخالف كل ما يعتقده السوريون وكل ما آمنوا به من شرع أو عرف أو عقد اجتماعي.
النضال من أجل الحرية: المناضل الذي يناضل ليقدم روحه على مذبح الحرية لا يستبد ولا ينكرها على غيره، يتسم بالتسامح إذا قدر وبالثبات إذا حوصر، لأن رسالته أكبر من حسابات السيطرة على أرض أو التسلط على حي رسالة المناضل الحقيقية قائمة على إثبات أنه النموذج الأصلح والأنسب، وهذا ما لم نجده عند من جندهم أردوغان في عملياته المسعورة ضد السوريين، وما تصرفاتهم مع أولئك النسوة إلا تأكيد على أنهم النموذج الدموي الهمجي، لا سيما أن المرأتين تشكلان نموذجين من النساء المرأة المقاتلة والمرأة المدنية السياسية ولكن التعامل لم يختلف معهن ليعكس سلوك من يدعون "الثورة "ونموذجهم الأوحد القائم على التطرف والهمجية.
لم تسلم المرأة السورية من أنواع المعاناة على اختلاف انتمائها أو صفتها كأم أو بنت أو أخت أو زوج، فعلى مدار الأزمة السورية كانت المرأة عنوان المعاناة والمأساة في الفقد والندب والنواح على زوج معتقل أو ابن مقتول أو أب مفقود، بل لربما فقدتهم جميعاً لتصبح بذلك المعيلة والعاملة التي تسعى من أجل لقمة عيش صغارها ولكن معاناتها من الإرهاب والتطرف كانت أشد وأقسى لتسجن وتعذب وتُجلد وتُقتل بل تُسبى مما يجعلها رمز المأساة السورية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة