في لبنان أصبح حمل السلاح المعمر بالرصاص بديلا لبطاقات الائتمان "ATM" لسحب الدولار من البنوك.
حيث توالت الاقتحامات المسلحة للبنوك في لبنان للحصول على مدخراتهم من "الودائع" المحرومين منها بفعل أزمة اقتصادية وصفها صندوق النقد والنبك الدوليين بالأسوأ في التاريخ المعاصر.
بداية أزمة ودائع اللبنانيين في البنوك
بعد اندلاع احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأ عدد كبير من المصارف في لبنان بإغلاق أبوابه أمام المودعين والمتعاملين، بحجة أن المظاهرات العارمة تسببت بإقفال الطرق وقطعت أواصر البلد، ومنعت الموظفين من الوصول إلى أماكن عملهم.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قال حينها معلقا على إغلاق المصارف، إن ذلك لم يكن قرار البنك المركزي، إنما "هذا واقع بسبب إقفال الطرقات وتوقف الاقتصاد".
عدد كبير من اللبنانيين لم يقتنع بتلك التفسيرات الواهية، وأكد أن خلف الإغلاق المنظم تقف أسباب كبيرة، وكشفت تقارير عدة، عن أن حجم الودائع في المصارف اللبنانية قبل 2019 بلغ نحو 120 مليار دولار، لكنها تحولت إلى أرقام وهمية.
وفي خريف 2021، تزايد حجم الخسائر، وتراجعت قيمة الودائع إلى أقل من 20 مليار دولار. واعتبر "البنك الدولي" الانهيار الاقتصادي في لبنان، الأسوأ في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وأطلقت صحيفة "لوموند" الفرنسية على ما جرى اسم "سرقة القرن".
تهريب الدولار إلى خارج لبنان
وتؤكد التقارير، أن من الأسباب الرئيسية لانحسار ودائع اللبنانيين في المصارف، تهريب 6.5 مليار دولار خارج لبنان، وعقب اندلاع احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، حول 31 مصرفاً في لبنان إلى الخارج نحو 160 مليون دولار من حسابات أشخاص نافذين سياسياً.
في يونيو/ حزيران 2021، أعلن المصرف المركزي السويسري، أن ودائع اللبنانيين ازدادت في سويسرا بأكثر من 2.7 مليار دولار في 2020 وحده.
في المقابل جمعية المودعين في لبنان، حذرت المصارف بدورها من "الاستمرار بحجز أموال وجني عمر اللبنانيين، مشيرة إلى أن "المصارف تُتاجر بمنصة صيرفة"، لافتة إلى أن "مدراء المصارف يستفيدون من صيرفة، ويجنون الأرباح"، مؤكدين "أننا لن نبقى مكتوفي الأيدي".
جريمة سرقة
وأوجد مصرف لبنان في يونيو/ حزيران 2020 منصة صيرفة بهدف الحد من انهيار سعر صرف الليرة وتأمين الدولارات للتجار والمستوردين، للحدّ من ارتفاع أسعار السلع، وفقاً لسعر الصرف المعتمد في السوق السوداء.
لم تؤد المنصة لحلحلة أزمة الناس العاديين في لبنان، وبات المستفيد الأول منها التجار والصيارفة، فهم يقومون بشراء الدولارات على منصة صيرفة وبيعها على سعر السوق السوداء وزيادة عن ذلك بحجة حماية أنفسهم.
هادي جعفر أحد مؤسسي رابطة المودعين قال في أغسطس/ آب 2021، إن الذي يحصل اليوم تتحمل مسؤوليته بالدرجة الأولى المصارف وبعض القضاة الذين لا يصدرون أحكاماً في القضايا المرفوعة أمامهم بعد عدم معالجة مسألة المودعين، جعل المحاكم اللبنانية والأجنبية السبيل الوحيد لمواجهة المصارف. وأشار هادي إلى أن الرابطة تسلك المسار القضائي في كل تحركاتها وقد رفعت لغاية اليوم 400 دعوى نيابة عن مودعين، أمام القضاء اللبناني، إضافة إلى دعويين امام القضاء السويسري واخرى في فرنسا.
البنك الدولي يتهم السياسيين
اتهم البنك الدولي في تقرير له السياسيين اللبنانيين بالقسوة لتأكيدهم على أن الودائع في القطاع المصرفي المنهار في البلاد مقدسة، قائلا إن مثل هذه الشعارات "تتعارض بشكل صارخ مع الواقع".
ويعيش لبنان الآن في ثالث سنة من الانهيار المالي الذي خلف ثمانية من كل عشرة أشخاص فقراء والذي يقول البنك الدولي إنه متعمد وقد يكون واحدا من أسوأ 3 انهيارات مالية في العصر الحديث.
ويمثل التقرير الجديد ثاني مرة هذا العام يوبخ فيها البنك الدولي السياسيين، الذين يمثلون النخبة الحاكمة في لبنان بعد أن اتهمهم في يناير كانون الثاني، بتدبير الانهيار الاقتصادي الكارثي للبلاد من خلال قبضتهم الاستغلالية على الموارد.
وأدى الانهيار إلى تجميد مدخرات المودعين في النظام المصرفي المشلول ودفع العملة المحلية إلى فقد أكثر من 90 بالمئة من قيمتها.
وقال البنك الدولي في التقرير "الشعارات السياسية حول قدسية الودائع جوفاء وانتهازية، وفي الواقع، فإن إساءة استخدام السياسيين لهذا المصطلح أمر قاس".
وأضاف التقرير "المصطلح لا يتعارض مع الواقع بشكل صارخ فحسب، بل إنه يمنع إيجاد حلول لحماية معظم، إن لم يكن كل، أصحاب الودائع الصغار والمتوسطين بالدولار والنقد".
وعادة ما يقول السياسيون اللبنانيون إنه يجب الحفاظ على حقوق المودعين في أي خطة لمعالجة خسائر تقدر بنحو 70 مليار دولار في النظام المالي، حتى لو فقدت مدخراتهم نحو 80 بالمئة من قيمتها بسبب الانهيار.
أضاف البنك الدولي "ينبغي على مساهمي البنوك وكبار الدائنين، الذين استفادوا بشكل كبير خلال الثلاثين عاما الماضية من نموذج اقتصادي غير متكافئ للغاية، قبول الخسائر وتحملها.
وأقرضت البنوك اللبنانية بشكل كبير الدولة، التي تراكمت عليها ديون ضخمة بسبب الفساد وسوء الإدارة.
حوادث اقتحام البنوك في لبنان بالسلاح
لجأ مواطن لبناني، صباح اليوم الجمعة 16 سبتمبر/أيلول 2022، إلى تهديد موظفي أحد البنوك بالسلاح واحتجاز رهائن للحصول على أمواله، في ثالث حادث من نوعه لاقتحام مودعين لبنوك لبنانية لاستعادة مدخراتهم بالقوة.
وبحسب وسائل إعلام لبنانية، فقد دخل مواطن لبناني رمزت له بحرفي (م.ق) ونجله إلى فرع بنك بيبلوس في الغازية بصيدا، جنوبي لبنان، مطالبا باسترداد وديعته، وعمد إلى تهديد الموظفين بسلاح ناري واحتجز عددا من الرهائن وسكب مادة البنزين وهدد بحرق الفرع، في حال لم يتم إعطاؤه وديعته.
وتمكن المواطن اللبناني من الحصول على مبلغ 19.200 دولار من وديعته وسلمه لشخص كان ينتظره خارجاً وأطلق سراح الرهائن، وسلم نفسه ونجله إلى قوات الأمن اللبنانية التي حضرت للمكان.
سالي حافظ.. قصة إنسانية تفاعل معها الجميع
وكانت فتاة لبنانية تدعى سالي حافظ قد اقتحمت فرع بنك "بلوم" بلبنان قبل يومين وأشهرت مسدسا، تبين لاحقا أنه بلاستيكي، واحتجزت رهائن واستطاعت الحصول على 13 ألف دولار، و6 ملايين ليرة لبنانية من حسابها لعلاج شقيقتها المصابة بالسرطان.
وفي أغسطس/ آب الماضي، احتجز لبناني ثالث رهائن في فرع لبنك "فدرال" ببيروت تحت تهديد السلاح مطالبا باسترداد أمواله المودعة في البنك.
رد فعل لبنان على اقتحامات البنوك
تعتزم البنوك اللبنانية إغلاق أبوابها 3 أيام في الأسبوع المقبل بسبب مخاوف أمنية.
وقال مصرفيان لوكالة رويترز إن البنوك اللبنانية ستغلق أبوابها لثلاثة أيام الأسبوع المقبل بسبب مخاوف أمنية وسط زيادة في هجمات المودعين.